للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيقرأ المأموم الفاتحة في سكتات الإمام في الجهرية، وينصت عند القراءة، ويكون عاملاً بالقرآن والسنة جميعاً. قال الإمام البخاري في جزء القراءة: قيل له احتجاجك بقول الله تعالى: {فاستمعوا له وأنصتوا} أرأيت إذا لم يجهر الإمام يقرأ خلفه؟ فإن قال: لا. بطل دعواه؛ لأن الله تعالى قال: (. (فاستمعوا له وأنصتوا} وإنما يستمع لما يجهر، مع أنا نستعمل قول الله: {فاستمعوا له} نقول: يقرأ خلف الإمام عند السكتات- انتهى. وقال الشيخ عبد الحي اللكنوي في إمام الكلام (ص١٠٧) : الإنصاف الذي يقبله من لا يميل إلى الاعتساف أن الآية المذكورة التي استدل بها أصحابنا على مذهبهم لا تدل على عدم جواز القراءة في السرية، ولا على عدم جواز القراءة في حال الجهرية عند السكتة، وقال: الاستدلال بها على وجوب الإنصات مطلقاً سرية كانت أو جهرية في حال السكتة وفي حال القراءة غير تام إلا بتأويلات ركيكة، لا يقبلها ذو الفهم التام- انتهى. وههنا وجوه أخرى تدل كلها على أن استدلال الحنفية بها على مطلوبهم المذكور ليس بصحيح، ولا يثبت بها مدعاهم. وقد ذكرها شيخنا في كتابه: "تحقيق الكلام في وجوب القراءة خلف الإمام". وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: إذا قرأ فأنصتوا، فقد أجمع أكثر الحفاظ على أنه وهم من الراوي، وأنه ليس بصحيح، منهم البخاري وأبوداود وأبوحاتم وابن معين والحاكم والدارقطني وابن خزيمة ومحمد بن يحيى الذهلي، والحافظ أبوعلى النيسابوري والحافظ على بن عمرو البيهقي، وصححه أحمد ومسلم، ولا شك أن عدد المضعفين أكثر من عدد من صححه بأضعاف، فيقدم تضعيفهم على تصحيح مسلم ومن وافقه، وقد حقق وقرر شيخنا في أبكار المنن (ص١٥٠-١٥٣) وتحقيق الكلام. (ج٢: ص٨١-٩٤) كون هذه اللفظة غير صحيحة، وأشبع الكلام في ذلك فارجع إلى هذين الكتابين. ولو سلم أن هذه اللفظة في حديث أبي موسى وأبي هريرة صحيحة محفوظة فالاستدلال بها على منع القراءة خلف الإمام ليس بصحيح، كما أن الاستدلال على هذا المطلوب بقوله تعالى: {وإذا قرئ القرآن} ليس بصحيح كما عرفت، وعلى عدم صحة الاستدلال بها على المنع وجوه أخرى مذكورة في: "تحقيق الكلام". منها أن قوله وإذا قرأ فأنصتوا محمول على ما عدا الفاتحة جمعاً بين الأحاديث. قال الحافظ في الفتح: واستدل من أسقطها عنه في الجهرية كالمالكية بحديث: وإذا قرأ فأنصتوا، ولا دلالة فيه لإمكان الجمع بين الأمرين فينصت فيما عدا الفاتحة، أو ينصت إذا قرأ الإمام ويقرأ إذا سكت. وقال الإمام البخاري في جزء القراءة: ولو صح لكان يحتمل سوى الفاتحة، وأن قرأ فيما سكت الإمام، ويؤيد هذا أن أبا هريرة كان يفتي بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقراءة فاتحة الكتاب خلف الإمام في جميع الصلوات جهرية كانت أو سرية، وهو راوي حديث: وإذا قرأ فأنصتوا، أيضاً. وارجع إلى المحلي. (ج٣: ص٢٤١) لابن حزم فقد أوضح ذلك الجواب فيه. واستدل أيضاً

ــ

١- هو كتاب مبسوط في اللغة الأردية، مفرد في هذه المسألة، عديم النظير، قد تم في جزئين كبيرين: الجزء الأول في ذكر وجوب خلف الإمام من الأحاديث وآثار الصحابة والتابعين، والجزء الثاني في ذكر مستدلات من ذهب إلى عدم الوجوب، أو المنع والكراهة في الجهرية، أو مطلقاً مع الجواب عن كل دليل بعدة وجوه، فعليك أن ترجع إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>