ويقدر بها العرب الأوائل فأخذها عنهم العلماء (ولأهل الشام) ، أي ومن سلك طريقهم فمر بميقاتهم، والشام بلاد معروفة وهي من العريش إلى بالس، وقيل إلى الفرات قاله النووي في شرح أبي داود، قال القاري: قوله ((ولأهل الشام)) أي من طريقهم القديم لأنهم الآن يمرون على مدينة النبي الكريم - انتهى. وقال ابن حجر المكي الهيتمي: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولأهل الشام الجحفة)) ، أي إذا لم يمروا بطريق المدينة وإلا لزمهم الإحرام من الحليفة إجماعًا على ما قاله النووي، قال القاري: وهذا غريب منه وعجيب، فإن المالكية وأبا ثور (وابن المنذر وهما من الشافعية) يقولون بأن له التأخير إلى الجحفة، وعندنا معشر الحنفية يجوز للمدني أيضًا تأخيره إلى الجحفة، فدعوى الإجماع باطلة مع وقوع النزاع - انتهى. قلت: وسيأتي الكلام في هذا مفصلاً ووقع في حديث عائشة عند النسائي ((ولأهل الشام ومصر الجحفة)) قال الولي العراقي: هذه زيادة يجب الأخذ بها وعليها العمل. وروى الشافعي بسنده عن عطاء مرسلاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل المغرب (الجحفة) بضم الجيم وإسكان الحاء المهملة وفتح الفاء قرية كبيرة كانت عامرة ذات منبر وهي الآن خربة بينها وبين البحر الأحمر بالأميال (٦) وبالكيلوات (١٠) قال ابن حزم: وهي فيما بين المغرب والشمال من مكة، ومنها إلى مكة اثنان وثمانون ميلاً. وقال صاحب التيسير: تبعد عن مكة بالمراحل (٥) وبالفراسخ (٤٠) وبالأميال (١٢٠) وبالكيلوات (٢٠١) ويحرم منها أهل مصر والشام والمغرب ومن ورائهم من أهل الأندلس والروم والتكرور. قيل: إنها ذهبت أعلامها ولم يبق إلا رسوم خفية لا يكاد يعرفها إلا سكان بعض البوادي، فلذا - والله تعالى أعلم - اختار الناس الإحرام احتياطًا من المكان المسمى برابغ براء وموحدة وغين معجمة بوزن فاعل لأنها قرية قبل حذائها بقليل، وقيل: لا يحرمون من الجحفة لوخمها وكثرة حماها فلا ينزلها أحد إلا حم. وسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر عند الشيخين ((مهيعة)) بفتح الميم وإسكان الهاء وفتح التحتية والعين المهملة بوزن علقمة، وقيل: بكسر الهاء مع إسكان الياء على وزن لطيفة، والصحيح المشهور الأول. وسميت الجحفة لأن السيل أجحف بها، قال ابن الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب فوقع بينهم وبين بني عبيل - بفتح المهملة وكسر الموحدة، وهم إخوة عاد - حرب فأخرجوهم من يثرب فنزلوا مهيعة فجاء سيل فاجتحفهم أي: استأصلهم فسميت الجحفة (ولأهل نجد) أي: ساكنيها ومن سلك طريق سفرهم فمر بمياقتهم. ونجد بفتح النون وإسكان الجيم وآخره دال مهملة. قال الحافظ: هو كل مكان مرتفع، وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق. وقال ياقوت: نجد تسعة مواضع، ونجد المشهور فيها اختلاف كثير، والأكثر أنها اسم للأرض التي أعلاها تهامة وأسفلها العراق والشام. وقال الخطابي: نجد ناحية المشرق ومن كان بالمدينة كان نجده بادية العراق ونواحيها وهي مشرق أهلها، وذكر في المنتهى: نجد من بلاد العرب وهو خلاف الغور أعني تهامة، وكل ما ارتفع من تهامة إلى أرض