للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه ".

ــ

دنيا وآخرة ففي الدنيا أن يكون الطعام الذي يكتال به تكثر بركته بأن يجزئ منه العدد ما لا يجزئ ما كيل بغيره، أو يبارك في التصرف به على وجه التجارة بمعنى الإرباح أو يريد به المكيل فيكون ذلك دعاؤه في كثرة ثمارهم وغلاتهم، وأما البركة الدنيوية فإنها بهذا الكيل يتعلق كثير من العبادات من أداء زكاة الحبوب والفطر والكفارات – انتهى. قلت: الأرجح عندنا هو ما قاله النووي فإنه هو الظاهر من ألفاظ هذا الحديث، وما ورد في معناه كما لا يخفى على المتأمل. قال القرطبي: إذا وجدت البركة فيها في وقت حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص، والله أعلم. تنبيه: قال الزرقاني: هل يختص الدعاء المذكور بالمد المخصوص بزمانه - صلى الله عليه وسلم - أو يعم كل مد تعارفه أهل المدينة في سائر الأعصار زاد أو نقص، وهو الظاهر لأنه - صلى الله عليه وسلم - أضافه إلى المدينة تارة وإلى أهلها أخرى، ولم يضفه إلى نفسه الزكية فدل على عموم الدعوة لا على خصوصه بمد النبي - صلى الله عليه وسلم - كما أفاده بعض العلماء – انتهى. قلت: وإلى الخصوص يظهر ميل البخاري حيث ترجم على حديث أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم وبارك لهم في صاعهم ومدهم)) بلفظ ((باب بركة صاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومده)) (اللهم إن إبراهيم) عليه الصلاة والسلام (عبدك وخليلك) كما قلت: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} سورة النساء الآية ١٢٤) . (وإني) أيضًا (عبدك ونبيك) لم يقل ((خليلك)) مع أنه خليل كما صرح به في أحاديث عدة. قال الأبي: رعاية للأدب في ترك المساواة بينه وبين آبائه الكرام. وقال الطيبي: عدم التصريح بذلك مع رعاية الأدب أفخم. قال الزمخشري في قوله تعالى {تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات} (سورة البقرة: الآية ٢٥٤) . الظاهر أنه أراد محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا الإيهام من تفخيم كما لا يخفى. وسئل الحطيئة عن أشعر الناس فقال: زهير والنابغة ولو شئت لذكرت الثالث. أراد نفسه. ولو صرح به لم يفخم أمره (وإنه دعاك لمكة) أي بقوله {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون} (وأنا) كذلك في جميع نسخ المشكاة، وهكذا عند الترمذي، وفي صحيح مسلم ((وإني)) وهكذا في الموطأ وجامع الأصول والمصابيح (أدعوك) أي أطلب منك (للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله) أي بمثل ذلك المثل (معه) والمعنى بضعف ما دعا إبراهيم عليه الصلاة السلام، ولفظ حديث أنس عند البخاري كما سيأتي في الفصل الثالث ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة)) قال القاضي أبو محمد في هذا دليل على فضل المدينة على مكة، لأن تضعيف الدعاء لها إنما هو لفضلها على ما قصر عنها. قال الباجي: والذي عندي أن وجه الدليل من ذلك أن إبراهيم دعا

<<  <  ج: ص:  >  >>