لأهل مكة بما يختص دنياهم فقال: وارزق أهله من الثمرات. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لأهل المدينة بمثل ذلك ومثله معه. فيحتمل أن يريد به وبدعاء آخر معه وهو لأمر آخرتهم، فتكون الحسنات تضاعف للمدينة بمثل ما تضاعف بمكة فإنما معنى فضيلة إحدى البقعتين على الأخرى في تضعيف الحسنات. ويحتمل أن يريد أن إبراهيم أيضًا دعا لأهل مكة بأمر آخرتهم وعلم هو - صلى الله عليه وسلم - فدعا بمثل ذلك، وبمثله معه فيعود إلى مثل ما قدمنا ذكره. ويحتمل أن يريد أن إبراهيم دعا لأهل مكة في ثمراتهم ببركة قد أجاب الله دعاءه فيه وأنه - صلى الله عليه وسلم - دعا لأهل المدينة في ثمراتهم أيضًا بمثل ذلك ومثله معه فلا يكون هذا دليلاً على فضل المدينة على مكة في أمر الآخرة، وإنما يدل على أن البركة في ثمارهم مثل البركة في ثمار مكة، إما لقرب تناولها أو لكثرتها أو للبركة في الاقتيات بها أو ليوصل من يقتات بها في المدينة إلى مثلي ما يتوصل به من يقتات في مكة بثمارها – انتهى. وقال الحافظ في شرح حديث أنس المذكور: أي من بركة الدنيا بقرينة قوله في حديث آخر ((اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا)) ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك، لكن يستثنى منه ما خرج بدليل كتضعيف الصلاة بمكة على المدينة. واستدل به على تفضيل المدينة على مكة وهو ظاهر من هذه الجهة لكن لا يلزم من حصول أفضلية المفضول في شيء من الأشياء ثبوت الأفضلية له على الإطلاق، أما من ناقض ذلك بأنه يلزم أن يكون الشام واليمن أفضل من مكة لقوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآخر ((اللهم بارك لنا في شامنا)) وأعادها ثلاثًا فقد تعقب بأن التأكيد لا يستلزم التكثير المصرح به في حديث الباب. وقال ابن حزم: لا حجة في حديث الباب لهم لأن تكثير البركة بها لا يستلزم الفضل في أمور الآخرة لأن البركة أعم من أن تكون في أمور الدين أو الدنيا لأنها بمعنى النماء والزيادة إلى آخر ما قدمنا من كلامه – انتهى. قال الأبي: ولا يعارض دعاءه بالبركة قوله في الحديث الآخر ((أصابهم بالمدينة جهد وشدة)) إذ لا منافاة بين ثبوت الشدة وثبوت البركة فيها وتخلفها عن البعض لا يضر بها كذا أجاب شيخنا، والأظهر أن البركة في تحصيل القوت وأن المد بها يشبع ثلاثة أمثاله بغيرها، فتكون الشدة في تحصيل المد والبركة في تضعيف القوت به. قال الزرقاني: ولعل الأظهر جواب شيخه وهو ابن عرفة – انتهى. وقد تقدم كلام القرطبي أنه إذا وجدت البركة فيها في وقت حصلت إجابة الدعوة ولا يستلزم دوامها في كل حين ولكل شخص (ثم قال) أي أبو هريرة (يدعو) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد الفراغ من الدعاء، وفي صحيح مسلم ((قال: ثم يدعو)) وهكذا في المصابيح وجامع الأصول والترمذي، ولفظ الموطأ ((ثم يدعو)) أي بدون لفظة ((قال)) (أصغر وليد) أي مولود، فعيل بمعنى مفعول (له) يعني أصغر طفل من أهل بيته، وفي رواية لمسلم ((ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان))