٢٧٥٧ – (٥) وعن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: " إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرامًا وإني حرمت المدينة حرامًا ما بين مأزميها، أن لا يهراق فيها دم
ــ
وللترمذي والموطأ ((أصغر وليدًا يراه)) قال القاري: التحقيق أن الروايتين يعني الرواية المطلقة والمقيدة محمولتان على الحالتين، والمعنى أنه إذا كان عنده أو قريبًا منه وليد له أعطاه أو وليد آخر من غير أهله أعطاه، إذ لا شك أنهما لو اجتمعا لشارك بينهما، نعم إذا لم يكن أحد حاضرًا عنده فلا شبهة أنه ينادي أحدًا من أولاد أهله لأنه أحق ببره من غيره (فيعطيه) أي الولد (ذلك الثمر) قال الباجي: يحتمل أن يريد بذلك عظم الأجر في إدخال المسرة على من لا ذنب له لصغره؛ فإن سروره به أعظم من سرور الكبير، وقال أبو عمر: فيه من الآداب وجميل الأخلاق إعطاء الصغير وإتحافه بالطرفة لأنه أولى من الكبير لقلة صبره ولفرحه بذلك. وقال عياض: تخصيصه أصغر وليد يحضره لأنه ليس فيه ما يقسم على الولدان، وأما من كبر منهم فإنه يتخلق بأخلاق الرجال في الصبر ويلوح لي أنه تفاؤل بنماء الثمار وزيادتها لدفعها لمن هو في سن النماء والزيادة كما قيل في قلب الرداء للاستسقاء، وقيل إنما خصهم بذلك للمناسبة الواقعة بين الولدان وبين الباكورة لقربهما من الإبداع أي حدثان عهدهما بالإبداع (رواه مسلم) وأخرجه أيضًا مالك في كتابه الجامع من الموطأ والترمذي في الدعوات.
٢٧٥٧- قوله (وعن أبي سعيد) الخدري (إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام (حرم مكة) أي أظهر تحريمها (فجعلها حرامًا) أي بين كونها حرمًا. وقال في اللمعات: نسبة التحريم إلى إبراهيم باعتبار دعائه وسؤاله ذلك، فلا ينافي ما سبق في حرم مكة من قوله ((إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس)) ، وقد تقدم الكلام في ذلك بالبسط والتفصيل في شرح حديث ابن عباس أول أحاديث باب حرم مكة. وقوله ((حرامًا كذا في المشكاة والمصابيح، وهكذا وقع في جامع الأصول والبيهقي، وفي نسخ مسلم الموجودة عندنا ((حرمًا)) (وإني حرمت المدينة حرامًا ما بين مازميها) حرامًا نصب على المصدر إما لحرمت على غير لفظه، أو على حذف الزوائد، أي لفعل مقدر والتقدير إني حرمت المدينة فحرمت حرامًا، ومثله قوله سبحانه وتعالى {والله أنبتكم من الأرض نباتًا}(سورة نوح: الآية ١٧) وما بين مازميها يكون بدلاً عنها، ويحتمل أن يكون ((حرامًا)) مفعولاً ثانيًا لفعل محذوف ((وما بين مازميها)) مفعولاً أول، والتقدير وجعلت ما بين ما زميها حرامًا، والمأزم بهمزة بعد الميم وبكسر الزاي وهو الجبل، وقيل المضيق بين الجبلين ونحوه والأول هو الصواب هنا ومعناه ما بين جبليها، قاله النووي (أن لا يهراق) بسكون الهاء وتفتح أي بأن لا يراق (فيها دم) لأن إراقة دم المسلم فيها أقبح من غيرها، قيل: إن قوله ((أن لا يهراق)) وقع موقع التفسير لما حرم كأنه