وعك أبو بكر وبلال، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته،
ــ
بالمدينة إنما كان وخمًا يمرض بسببه كثير من الغرباء، يعني أن المنهي عنه إنما هو في القدوم على الوباء الذريع والطاعون وما كان بالمدينة ليس كذلك، وإنما كان مجرد حمى تشتد وتطول مدتها بالنسبة إلى الغرباء ولا يغلب الموت بسببها، قال عياض: أو أن قدومه المدينة كان قبل النهي، لأن النهي كان في المدينة بعد استيطانها – انتهى. وقال الحافظ: لا يعارض قدومه على المدينة وهي بهذه الصفة نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن القدوم على الطاعون لأن ذلك قبل النهي، أو أن النهي يختص بالطاعون ونحوه من الموت الذريع لا المروض لو عم (وُعِك) بضم الواو وكسر العين على صيغة المجهول أي أصابه الوعك وهو الحمى، وقيل هو مغث الحمى وهو ممارستها المحموم حتى تصرعه (أبو بكر) الصديق (وبلال) وغيرهما كما سيأتي. قال الحافظ في حديث البراء عند البخاري في الهجرة أن عائشة أيضًا وعكت وكان وصولها إلى المدينة مع آل أبي بكر هاجر بهم أخوها عبد الله وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع ببنتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فاطمة وأم كلثوم وأسامة بن زيد وأمه أم أيمن وسودة بنت زمعة وكانت رقية بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - سبقت مع زوجها عثمان وأخرت زينب وهي الكبرى عند زوجها أبي العاص بن الربيع. قال الزرقاني: وعند النسائي وابن إسحاق عن هشام عن أبيه عنها: لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي أوبأ أرض الله أصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرف الله ذلك عن نبيه وأصابت أبا بكر وبلالاً وعامر بن فهيرة، فاستأذنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيادتهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب فأذن لي فدخلت عليهم وهم في بيت واحد (فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته) أي بما صدر عن أبي بكر رضي الله عنه حين قلت له: يا أبت كيف تجدك وقد أخذته الحمى يقول:
كل امرئٍ مصبح في أهله _ ... والموت أدني من شراك نعله
وبما قال بلال إذ أقلع عنه الحمى يرفع صوته فيقول:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة _ ... بواد وعندي إذخر وجليل
وهل أردن يوماً مياه مجنة _ ... وهل تبدون لي شامة وطفيل
قال ابن عبد البر: إذخر وجليل نبتان من الكلأ طيب الرائحة يكونان بمكة وأوديتها لا يكادان يوجدان في غيرها وقيل: ((الجليل)) نبت ضعيف صفراء يحشى بها خصاص البيوت وغيرها، و ((مجنة)) بفتح الميم وكسر الجيم وتشديد النون موضع بأعلى مكة على أميال كان يقام للعرب بها سوق وبعضهم يكسر ميمها والفتح أكثر، وهي زائدة، و ((شامة وطفيل)) جبلان على نحو ثلاثين ميلاً من مكة في وجهة اليمن، وقيل جبلان مشرفان على مجنة على بريدين من مكة، وقيل عينان عندها، قال الزرقاني: وجمع باحتمال أن العينين بقرب الجبلين أو فيهما، وحاصل ما قال بلال: أنه كان