للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال: " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ".

ــ

يذكر مكة وصحة هوائها وعذوبة مائها ولطافة جبالها ونباتها ونفحة رياح نباتها الذي بمنزلة بناتها وأبنائها. وعند ابن إسحاق: فذكرت ذلك فقلت: يا رسول الله إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى ((اللهم حبب) بصيغة الأمر من التحبيب (المدينة) بالنصب على المفعولية (كحبنا مكة أو أشد) من حب مكة أيضًا. قال الزرقاني: فاستجاب الله دعاءه فكانت أحب إليه من مكة كما جزم به بعضهم وكان يحرك دابته إذا رأى المدينة من حبها – انتهى. وقال القاري: أو أشد أي بل أكثر وأعظم، ويؤيده أنه في رواية ((وأشد)) قال: ولا ينافي هذا ما سبق أنه عليه الصلاة والسلام قال لمكة: " إنك أحب البلاد إليَّ وإنك أحب أرض الله إلى الله. وفي رواية: لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله وأكرمها على الله. فإن المراد به المبالغة أو لأنه لما أوجب الله على المهاجرين مجاورة المدينة وترك التوطن والسكون بمكة طلب من الله أن يزيد محبة المدينة في قلوب أصحابه لئلا يميلوا بأدنى الميل غرضًا به؟ إذ المراد بالمحبة الزائدة الملاءمة لملاذ النفس ونفي مشاقها لا المحبة المرتبة على كثرة المثوبة فالحيثية مختلفة، ويؤيد ما قررناه قوله (وصححها) أي المدينة من الوباء. قال القاري: أي اجعل هواءها وماءها صحيحًا (وبارك لنا في صاعها ومدها) تقدم الكلام على هذا. قال الزرقاني: فاستجاب الله تعالى دعاءه فطيب هواءها وترابها ومساكنها والعيش بها. قال ابن بطال وغيره: من أقام بها يجد من تربها وحيطانها رائحة طيبة لا تكاد توجد في غيرها. قال بعضهم: وقد تكرر دعاءه بتحبيبها والبركة في ثمارها، والظاهر أن الإجابة حصلت بالأول والتكرير لطلب المزيد (وانقل) أي حول (حماها) أي وبائها وشدتها وكثرتها (فاجعلها بالجحفة) بضم الجيم وسكون الحاء أحد المواقيت المشهورة وقد تقدم ذكرها في حديث المواقيت. قال الخطابي وغيره: كان ساكنوا الجحفة في ذلك الوقت يهودًا وهم أعداء الإسلام والمسلمين، ولذا توجه دعاءه - صلى الله عليه وسلم - عليهم ففيه جواز الدعاء على الكفار بالأمراض والهلاك وللمسلمين بالصحة وطيب بلادهم والبركة فيها وكشف الضر والشدائد عنهم، وفيه إظهار معجزة عجيبة فإنها من يومئذ وبيئة لا يشرب أحد من مائها إلا حم ولا يمر بها طائر إلا حم وسقط. وقال عياض: فيه معجزة له - صلى الله عليه وسلم - فإن الجحفة من يومئذ وبيئة وخمة لا يشرب أحد من مائها إلا حم أي من الغرباء الداخلين عليها. قال السمهودي: والموجود الآن من الحمى بالمدينة ليس حمى الوباء بل رحمة ربنا ودعوة نبينا للتكفير. قال: وفي الحديث ((أصح المدينة ما بين حرة بني قريظة والعريض)) وهو يؤذن ببقاء شيء منها بها، وأن الذي نقل عنها أصلاً ورأسًا سلطانها وشدتها ووباءها وكثرتها بحيث لا يعد الباقي بالنسبة إليه شيئًا. قال: ويحتمل أنها رفعت بالكلية ثم أعيدت خفيفة لئلا يفوت ثوابها كما أشار إليه الحافظ ابن حجر، ويدل له ما روى أحمد برجال الصحيح وأبو يعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>