للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يقولون: يثرب وهي المدينة تنفي الناس كما ينفي الكير خبث الحديد ".

ــ

جهة البصرة وليس كذلك (يقولون) أي يسمونها (يثرب) بفتح المثناة التحتية وسكون المثلثة وكسر الراء المهملة أي إن بعض الناس من المنافقين وغيرهم يسميها يثرب، ذكر أبو إسحاق الزجاج في مختصره وأبو عبيد البكري في معجم ما استعجم أنها سميت يثرب باسم يثرب بن قانية من ولد إرم بن سام بن نوح لأنه أول من سكنها بعد العرب، وقيل: هو اسم كان لموضع منها سميت به كلها، وقيل سميت باسم واحد من العمالقة نزلها، قاله الزرقاني (وهي المدينة) يعني والحال أن اسمها الذي يليق بها المدينة وفهم بعض العلماء من هذا كراهة تسمية المدينة يثرب وقالوا: ما وقع في القرآن إنما هو حكاية عن قول غير المؤمنين، وروى أحمد (ج ٤: ص ٢٨٥) من حديث البراء بن عازب رفعه ((من سمى المدينة يثرب فليستغفر الله، هي طابة هي طابة)) وروى عمر بن شبة من حديث أبي أيوب ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقال للمدينة يثرب)) ولهذا قال عيسى بن دينار من المالكية: من سمى المدينة يثرب كتبت عليه خطيئة. قال: وسبب هذه الكراهة أن يثرب إما من التثريب الذي هو التوبيخ والملامة أو من الثرب وهو الفساد وكلاهما مستقبح وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب الاسم الحسن ويكره الاسم القبيح، كذا في الفتح. قال النووي: وأما تسميتها في القرآن يثرب فإنما هو حكاية عن قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض – انتهى. وحكى الباجي عن عيسى بن دينار أنه قال: إنما القرآن على ما يعرف الناس انتهى. قال الزرقاني: وأجيب عن حديث الصحيحين ((فإذا هي يثرب)) وفي رواية ((لا أراها إلا يثرب)) بأنه كان قبل النهي – انتهى. ويمكن أن يقال أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكرها بالاسم المعروف فيما بين الناس ليعرفوه، وقال البخاري في باب هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه إلى المدينة: وقال أبو موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي المدينة يثرب. قال الحافظ: كان ذلك قبل أن يسميها - صلى الله عليه وسلم - طيبة – انتهى. أي لأن الرؤيا المذكورة كانت قبل الهجرة أو في ابتدائها ووقع تغيير الأسماء بعد ذلك بكثير (تنفي) بفتح الفوقية وسكون النون وكسر الفاء (الناس) أي الخبيث الردئ منهم يدل عليه التشبيه بقوله (كما ينفي الكير) بكسر الكاف وإسكان التحتية وفيه لغة أخرى ((كور)) بضم الكاف والمشهور بين الناس أنه الزق الذي ينفخ فيه لكن أكثر أهل اللغة على أن المراد بالكير حانوت الحداد والصائغ (أي ما يبنيه من الطين) قال ابن التين: وقيل الكير هو الزق، والحانوت هو الكور، كذا في الفتح. وقال أبو عمر: الكير هو موضع نار الحداد والصائغ وليس الجلد الذي تسميه العامة كيرًا، هكذا قال علماء اللغة (خبث الحديد) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها مثلثة والنصب على المفعولية أي وسخه الذي تخرجه النار، والمراد أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل بل تميزه عن القلوب الصادقة وتخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده، ونسب التمييز للكير لكونه السبب الأكبر في اشتعال النار التي يقع التمييز بها، قال التوربشتي:

<<  <  ج: ص:  >  >>