فإنَّ روايةَ الأقران بعضهم عن بعضٍ فيه شهادة بعضهم لبعضٍ على صِحَّةِ المرويات، وإشارةٌ صادقةٌ على تجاوز الكثير منهم للعوامل النَّفسيَّةِ التي تختلجُ في صدور الأقرانِ، والتي حَذَّرَ منها العُلماء.
ونظراً لأهميَّةِ رواية الأقران بعضهم عن بعضٍ في توثيق النُّصوصِ وضبطها، فقد حرص الإمامُ الجِهبذُ أبو عبدِاللَّهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ البُخاريُّ على هذا النَّمط مِن الأسانيدِ في كتابه (الجامع الصَّحيح) ، وكذا اشتملت كتب السُّنَّةِ الأخرى على ذِكرِ هذا النَّوع من المروياتِ، وأدرجتها ضمن مروياتها المُختلفةِ.
إنَّ دراسة مرويات الأقران بعضهم عن بعضٍ ستقودنا إلى معرفةِ تواريخ ولادةِ ووفيات الرُّواة، كما أنَّها ستقدِّمُ لنا نتائج جليلة عن علم طبقات الرُّواة، وتجمع لنا دلائل عن البلدان ورواتها، سيما إذا اجتمعَ في الرِّواية الواحدةِ أهل بلدٍ في نَسقٍ كما سيأتي بيان ذلكَ مِن خلالِ بحثنا هذا.
إنَّ الكتابة عن بعضِ الجُزئياتِ في علم مصطلح الحديثِ، والتي لم نقف فيها على مُصَنَّفٍ مستقلٍّ لإمامٍ ناقدٍ، تعني ميلاد عهدٍ جديدٍ لهذا العلمِ، الذي ينتمي إلى طرازٍ مُعيَّنٍ في التَّأليفِ يتَّصِفُ بالإيجازِ والبُعدِ عن الإسهابِ في موضوعاتهِ.
وبحثنا هذا حاولَ أن يُقدِّمَ تحليلاً عميقاً لهذا النَّوع مِنَ أنواعِ مصطلحِ الحديث، وذلكَ مِن خلالِ ما ذكرته كتب مصطلح الحديث مِنَ الأمثلة، مع بيان مارواهُ الإمامُ البُخاريّ رحمهُ اللَّهُ تعالى في (صحيحه) مِن رواية الأقرانِ، والتي قام الحافظ ابن حجرٍ رحمه اللَّهُ تعالى بذِكْرِها، وبيان بعض لطائفها، وبالتالي الخروج بنتائج جديدةٍ عن رواية الأقران، وأهميتهِ، ومحاولة تنظيم هذهِ المادة في