للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن هناك في رأي الأصفهاني مَن يصحح نسب المجنون، بل إنه هو نفسه يرى أن الصحيح في أمره هو كذا وكذا، بما يدل على أن الأصفهاني لا يرى وهمية المجنون كما يزعم طه حسين، أما ما نقله طه حسين عن إعلان الأصفهاني لخروجه من عهدة الأخبار والأشعار التي تروى للمجنون وعنه، فهذا نص ما قاله الأصفهاني نفسه، وأنا أذكر مما وقع إليه من أخباره جملًا مستحسنة متبرئًا من العهدة فيها، فإن أكثر أشعاره المذكورة في أخباره ينسبها بعض الرواة إلى غيره، وينسبها من حكيت عنه إليه، وإذا قدمت هذه الشريط برئت من عين طاعن ومتتبع للعيوب، وأول كل شيء هو أن الأصفهاني قد قال ذلك بعدما أورد أخبارًا وأشعارًا كثيرة للمجنون، ولم يقله في مبتدأ كلامه عنه، أي: أن التحرز والتحفظ إنما يختص بما سوف يأتي من كلامه لا بما مضى، ثم إننا لو فلينا عن معنى هذا النص لاتضح لنا أن الأصفهاني إنما يشير إلى الاختلاف الحاصل في ذلك، وأنه غير مسئول عنه، وأنه لم يحاول تمحيصه وتفليته، وأن في بعض تلك الأخبار مبالغات واضحة غير مستساغة، وليس إلى أنه يشك في وجود الشاعر نفسه.

وشيء ثالث أنه لم يقل: إن الخلاف يعم كل ما يتعلق بالشاعر، بل لقسم منه فحسب ثم إن الاختلاف بشأن شخص من الأشخاص أو شيء من الأشياء لا يعني بالضرورة أنه باطل، بل أنه مختلف فيه وهذا كل ما هنالك، ولو كان العلم ومنهجه يقتضيان إنكار كل ما اختلف الناس حوله، إذن لقد بطل كل شيء في الدنيا؛ لأن الناس لم تتفق في أمور الحياة إلا على القليل، وحتى هذا القليل نراهم يختلفون في كثير من تفاصيله.

ولقد مازح المرحوم إبراهيم المازني الدكتور طه حسين ذات مرة في مقال له عن كتابه (في الشعر الجاهلي)، فشكك بنفس الطريقة في وجود طه حسين ذاته تبعًا

<<  <   >  >>