للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فبين -رحمه الله- أن مادة نظر ترجع إما إلى تأمل الشيء وهو النظر الذي بمعنى التفكر والتأمل، وإما إلى معاينة الشيء وهو النظر الذي بمعنى حس البصر ورؤيته.

وقد جعل بعض الباحثين أصلاً ثالثاً ترجع إليه مادة (نظر): وهو النظر بمعنى الانتظار، والصواب أن هذا المعنى يرجع أيضاً إلى معنى النظر بعين البصر أو البصيرة، فما هو إلا فرع مقيس على الأصلين المذكورين كما بين ذلك ابن فارس -رحمه الله- فقال: «ويقولون: نظرته، أي: انتظرته. وهو ذلك القياس، كأنه ينظر إلى الوقت الذي يأتي فيه» (١)، وقال: «ومن باب المجاز والاتساع قولهم: نَظَرَتِ الأرضُ: أَرَتْ نَبَاتَهَا. وهذا هو القياس. ويقولون: نَظَرَتْ بِعَيْنٍ. ومنه نَظَرَ الدهر إلى بني فلان فأهلكهم. وهذا نظير هذا، من هذا القياس; أي أنه إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء. وبه نَظْرَةٌ، أي شحوب، كأنه شَيْءٌ نُظِرَ إِلَيْهِ فشحب لونهُ، والله أعلم بالصواب» (٢)، وعليه فكل استعمال غير هذين الاستعمالين -كالانتظار وغيره- إنما هو مستعار منهما ومقيس عليهما.

وقال الراغب الأصفهاني (٣) -رحمه الله-: «النظر: تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته» (٤).

وقال أبو هلال العسكري -رحمه الله- (٥): «وحد النظر طلب إدراك الشيء من جهة


(١) مقاييس اللغة (٥/ ٤٤٤).
(٢) المصدر السابق (٥/ ٤٤٤).
(٣) هو أبو القاسم، الحسين بن محمد بن المفضل الاصبهاني، الملقب بالراغب، من كتبه المفردات في غريب القرآن، والذريعة في مكارم الشريعة، اختلف في سنة وفاته وأكثر المترجمين على أنه توفي في أوائل المئة الخامسة، وذهب بعضهم إلى أنه توفي في نصف المئة الرابعة. انظر: السير (١٨/ ١٢٠)، الأعلام للزركلي (٢/ ٢٥٥).
(٤) المفردات (ص: ٥١٨).
(٥) هو الحسن بن عبد الله بن سهل أبو هلال العسكري، لغوي أديب شاعر، من مصنفاته: "الفروق في اللغة" و"التلخيص في اللغة" توفي بعد: (٣٩٥ هـ). انظر: البلغة (١/ص ١٦). الوافي بالوفيات (١٢/ ٥١).

<<  <   >  >>