للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان هذا الشعر شعر امرئ القيس، وإن كان هذا قاله بحركاته، وأصواته. وهذا أمر مستقر في فطر الناس كلهم يعلمون أن الكلام كلام من تكلم به مبتدئاً، آمراً بأمره، ومخبراً بخبره، ومؤلفاً حروفه، ومعانيه، وغيره إذا بلغه عنه علم الناس أن هذا كلام للمُبلَغ عنه لا للمُبلِغ، وهم يفرقون بين أن يقوله المتكلم به، والمبلغ عنه، وبين سماعه من الأول، وسماعه من الثاني؛ ولهذا كان من المستقر عند المسلمين أن القرآن الذي يسمعونه هو كلام الله كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة:٦]، مع علمهم بأن القارئ يقرؤه بصوته كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (زينوا القرآن بأصواتكم) (١)، فالكلام كلام البارئ، والصوت هو صوت القارئ" (٢).

ثالثاً: أن قولهم هذا مخالف لما تواتر عن السلف من قولهم عند ذكر عقيدة أهل السنة في القرآن «منه بدأ وإليه يعود»، ومرادهم بذلك أنه "هو المتكلم به، لم يبتدئ من غيره كما قالت الجهمية القائلون بأن القرآن مخلوق، قالوا: خلقه في غيره" (٣)، "فيكون قد ابتدأ، وخرج من ذلك المحل الذي خلق فيه لا من الله، كما يقولون: كلامه لموسى خرج من الشجرة. فبين السلف، والأئمة أن القرآن من الله بدأ، وخرج" (٤)، لم يبتدئ من غيره من الموجودات.

[الوجه الرابع: الرد على إنكارهم كلام الله بصوت]

وأما ما أنكروه من ثبوت نداء الله بصوت، فقد بين شيخ الإسلام أن هذا مما تكاثرت فيه النصوص من القرآن كقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ


(١) رواه أحمد (١٨٦٨٨)، (٤/ ٢٨٣) وأبو داود (١٤٦٨) وصححه الألباني في المشكاة (٢١٩٩).
(٢) التسعينية (٣/ ٩٦٣ - ٩٦٥)، وانظر بسط هذا في الجواب الصحيح (٤/ ٣٣٥ - ٣٤٩)، مجموع الفتاوى (١٢/ ٢٦١ - ٢٦٥)، (١٢/ ٤٥٦ - ٤٦٣).
(٣) مجموع الفتاوى (١٧/ ٨٣).
(٤) المصدر السابق (١٢/ ٥١٨).

<<  <   >  >>