للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحس ذلك من نفسه، يجده كما يجد شهوته ونفرته ورضاه وغضبه ولذته وألمه؛ ودليل ذلك: أنك تقول: أحب يحب محبة، ونقيض أحب: لم يحب، ولم يحب صفة عدمية، ونقيض العدم الإثبات.

قال ابن المرحل: هذا ينتقض بقولهم: امتنع يمتنع؛ فإن نقيض الامتناع: لا امتناع، والامتناع صفة عدمية.

قال الشيخ تقي الدين: الامتناع أمر اعتباري عقلي؛ فإن الممتنع ليس له وجود خارجي، حتى تقوم به صفة، وإنما هو معلوم بالعقل باعتبار كونه معلوماً له ثبوت علمي. وسلب هذا الثبوت العلمي: عدم هذا الثبوت؛ فلم ينقض هذا قولنا: نقيض العدم ثبوت.

وأما الحب فإنه صفة قائمة بالمحب؛ فإنك تشير إلى عين خارجة وتقول: هذا الحي صار محباً بعد أن لم يكن محباً، فتخبر عن الوجود الخارجي بصفة، فإذا كان نقيضها عدماً خارجياً كانت وجودًا خارجيًا.

وفي الجملة: فكون الحب والبغض صفة ثبوتية وجودية معلوم بالضرورة، فلا يقبل فيه نزاع ولا يُناظرُ صاحبهُ إلا مناظرة السوفسطائية.

قلت: وإذا كان الحب والبغض ونحوهما من الصفات المضافة المتعلِّقة بالغير: صفات وجودية، ظهر الفرق بين الصفات التي هي إضافة ونسبة، وبين الصفات التي هي مضافة منسوبة، فالحمد والشكر من القسم الثاني؛ فإن الحمد أمر وجودي متعلِّق بالمحمود عليه، وكذلك الشكر أمر وجودي متعلِّق بالمشكور عليه، فلا يتم فهم حقيقتهما إلا بفهم الصفة الثبوتية لهما التي هي متعلِّقة بالغير، وتلك الصفة داخلة في حقيقتهما، فإذا كان متعلق أحدهما أكبر من متعلق الآخر، وذلك التعلق إنما هو عارض لصفة ثبوتية لهما، وجب ذكر تلك الصفة الثبوتية في ذكر حقيقتهما، والدليل على هذا: أن من لم يفهم الإحسان امتنع أن يفهم الشكر فَعُلِم أن تصور متعلَّق الشكر داخل في تصور الشكر.

قلت: ولو قيل: إنه ليس هذا إلا أمراً عدمياً، فالحقيقة إن كانت مركبة من

<<  <   >  >>