للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن القول بأن كل ما أراده الله فقد أحبه قول باطل؛ وذلك لأن الإرادة جاءت في النصوص الشرعية على معنيين:

النوع الأول: إرادة كونية قدرية: وهي بمعنى المشيئة لا يخرج عنها شيء فكل ما يقع من خير أو شر من طاعة أو معصية فهو داخل فيها، وهذا النوع من الإرادة لا يستلزم محبة الله ورضاه، فقد تكون لما يحب ويرضى كالطاعات الواقعة من عباد الله الصالحين، وقد تكون لما لا يحب ولا يرضى، بل يسخط ويكره كالمعاصي والكفر، ومن هذا النوع قوله جل وعلا: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥] وقوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:١٠٧].

النوع الثاني: إرادة دينية شرعية: وهي المتعلقة بألوهيته وشرعه، وهي مستلزمة لأمره، ومتعلقة بما يحبه ويرضاه. ومنها قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥] وقوله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:٢٧].

فما أراده الله إرادة كونية، فإنه لا بد من وقوعه وقد يكون مما يحبه الله ويرضاه، وقد لا يكون كذلك كالكفر والفسوق والعصيان، وما أراده إرادة شرعية فهو مستلزم لمحبته ورضاه وقد يقع وقد لا يقع، والأمر مستلزم للإرادة الدينية الشرعية، دون الإرادة الكونية، فالله لا يأمر إلا بما يحب ويرضى (١).

قال شيخ الإسلام: «ينبغي أن يعرف أن الإرادة في كتاب الله على نوعين:

أحدهما: الإرادة الكونية وهي الإرادة المستلزمة لوقوع المراد التي يقال فيها: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذه الإرادة في مثل قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام:١٢٥]


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ٥٨ - ٦١)، درء تعارض العقل والنقل (٨/ ٤٧٦، ٧٤١)، منهاج السنة (٣/ ١٨٠).

<<  <   >  >>