للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله العظيم لقد رأيت الناس قاعدين على الطريق يمينا وشمالا، الرجال والنساء مختلطين كأنهم ينتظرون عبور السلطان، ومنهم من يبكي، ومنهم من يضج ويصيح، ومن يتأسف، ومنهم من يتفرج، فلما وصلت إلى مقبرة الصوفية (١) رأيتها وقد امتلأت بالعالم، وقد حفروا قبره إلى جانب أخيه الشيخ شرف الدين (٢)، وحضر أخوه زين الدين وحوله نقباء يحموه من الناس حتى شاهد القبر قبل وضع أخيه، وتأخرت الجنازة إلى قريب العصر حتى وضع في قبره وألحدوه وطم عليه ولقنوه (٣)، وبعد ذلك انصرف الناس أولا بأول متأسفين عليه» (٤).

وقال البزار -رحمه الله-: «فما هو إلا أن سمع الناس بموته فلم يبق في دمشق من يستطيع المجيء للصلاة عليه وأراده إلا حضر لذلك وتفرغ له حتى غلقت الأسواق بدمشق وعطلت معايشها حينئذ وحصل للناس بمصابه أمر شغلهم عن غالب أمورهم وأسبابهم وخرج الأمراء والرؤساء والعلماء والفقهاء والأتراك والأجناد والرجال والنساء والصبيان من الخواص والعوام، قالوا ولم يتخلف أحد من غالب الناس فيما أعلم إلا ثلاثة أنفس كانوا قد اشتهروا بمعاندته، فاختفوا من الناس؛ خوفاً على أنفسهم بحيث غلب على ظنهم أنهم متى خرجوا


(١) مقبرة الصوفية أو مقابر الصوفية كانت في المنيبع قبالة باب النصر، ثم أزيلت المقبرة وبني مكانها جامعة ومشفى للمرضى، ولم يبق منها إلا قبر شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير رحمهما الله، تقديراً لمكانتهما عند الناس، إلا أن السلطات النصيرية قاتلها الله قامت مؤخرا بإزالة قبره من مكانه. انظر: معجم دمشق التاريخي (٢/ ٣١١).
(٢) هو عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، الشيخ الإمام الفقيه أخو شيخ الإسلام كان صاحب علم وفضل ولم يشتغل بالتصنيف (ت:٧٢٧ هـ). انظر: أعيان العصر (٢/ ٦٩٢) الدرر الكامنة (٣/ ٤٢).
(٣) السنة الثابتة أن يدعو الحاضرون للميت ويسألوا الله له التثبيت ويستغفروا له، وأما تلقينه الشهادتين فلم يثبت فيه حديث صحيح، وإن أجازه جمع من العلماء، وانظر: أحكام الجنائز (ص:١٥٥ - ١٥٦).
(٤) تاريخ حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه ضمن الجامع لسيرته (ص:١٩٨).

<<  <   >  >>