للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بني آدم غير الله ـ عزّ وجلّ ـ كائنًا مَن كان إلَّا وقعت عبادته للشّيطان؛ فيستمتع العابد بالمعبود في حصول غرضه، ويستمتع المعبود بالعابد في تعظيمه له وإشراكه مع الله الذي هو غاية رضا الشّيطان؛ ولهذا قال ـ تعالى ـ: {ويوم نحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} ـ من إغوائهم وإضلالهم ـ {وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجّلتَ لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلَّا ما شاء الله إنّ ربّك حكيم عليم} .

فهذه إشارة لطيفة إلى السّرّ الذي لأجله كان الشّرك أكبر الكبائر عند الله ـ تعالى ـ، وأنّه لا يُغفر بغير التّوبة منه، وأنّه يوجب الخلود في النّار، وأنّه ليس تحريمه وقبحه بمجرد النّهي عنه؛ بل يستحيل على الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يشرع عبادة إله غيره، كما يستحيل عليه ما يناقض أوصاف كماله ونعوت جلاله، وكيف يظنّ بالمنفرد بالرّبوبيّة والإلهيّة والعظمة والجلال أن يأذن في مشاركته في ذلك أو يرضى به؟! تعالى الله ـ عزّ وجَلّ ـ عن ذلك عُلوًّا كبيرًا» . انتهى.

وإنّما سقنا هذا المبحث العظيم الذي تُعقد عليه الخناصر ويُعضّ عليه بالنّواجذ؛ لما فيه من الفوائد التي لا يستغني عنها مَن نصح نفسه، وإنّما الغرض بيان ما في التّوسّل والاستغاثة بالأموات والغائبين من سوء الظّنّ بالله ربّ العالمين.

الوجه التّاسع: أنّ الله ـ تعالى ـ حرّم القول عليه بغير علم، وجعله أعظم من الشّرك؛ قال ـ تعالى ـ: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ وأن تُشركوا بالله ما لم ينزّل به سلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} الآية؛ فرتّب المحرّمات منتقلًا من الأدنى إلى الأعلى، وقال ـ تعالى ـ: {ومَن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أولئك يُعرَضون على ربّهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربّهم ألا لعنة الله على الظّالمين * الذين يصدّون عن سبيل الله ويبغونها عوجًا وهم بالآخرة هم كافرون} ، ومَن عرف الشّرك حقّ المعرفة؛ يعلم أنّ مَن قال: تجوز الاستغاثة والتّوسّل بالأنبياء والصّالحين والنّذر لهم والحلف وما أشبهه

<<  <   >  >>