نار الرويّة نار غير منضجة ... وللبديهة نار ذات تلويح
وقد يفضلها قوم لعاجلها ... لكنّه عاجل يمضي مع الريح
وقال معاوية لابن العاص «١» : أنا آدب منك، فقال: أنا للبهدية وأنت للرويّة «٢» ، وبينهما بون «٣» .
وممّا يؤكد تفضيل البديهة قول العبديّ في وصف البلاغة: أن تصيب فلا تخطىء وتعجل فلا تبطىء. وقيل: خير الفقه ما حاضرت به.
وقال الحطيئة:
فهذا بديه لا كتحبير قائل ... إذا ما أراد القول زوّره شهرا
واجتمع ابن مناذر وأبو العتاهية، فقال أبو العتاهية: كم بيتا تقول في اليوم؟ قال:
مقدار عشرة أبيات. فقال أبو العتاهية: فأنا أقول مائتين. فقال: فإنك تقبل من شيطانك نحو: ألا يا عتبة الساعة، أموت الساعة الساعة، ولو أني أقول مثل ذلك لقلت ألوفا.
قال المتنبّي:
أبلغ ما يطلب النجاح به الطب ... ع وعند التعمّق الزلل
[المعتذر لرفض طريقة من النسج]
قيل لنصيّب «٤» : إنك لا تحسن الهجاء، فقال: من ذا الذي لا يحسن مكان عافاه الله أخزاه الله، ولكنّي رأيت الناس ثلاثة رجال: رجلا لم أسأله فلا ينبغي أن أهجوه، ورجلا سألته فمنحني وهو الممدوح، ورجلا سألته فلم يعط. فنفسي أحق بالهجاء إذ سوّلت لي أن أسأله.
وقال عبد الملك للعجّاج: بلغني أنك لا تحسن أن تهجو، فقال: من يقدر على تشييد أمكنة يمكنه إخرابها، فقال: ما يمنعك من ذلك؟ قال: أن لنا عزّا يمنع من أن نظلم، وحلما يمنع من أن نظلم، فعلام الهجاء؟ فقال: كلامك أشعر من شعرك.