وخلاصة الاحتراس، أن العفو عن المستحق للعذاب العظيم، قد يكون عن عجز وضعف، لا عن استطاعةٍ وقدرة، أو قد يكون عن سوء تدبير وتقدير، أو عن كليهما، فلو قال:(فإنك أنت الغفور الرحيم) لما دفع هذين الوصفين عنه، فإن الغافر الراحم قد يكون إنما يفعل ذلك لضعفه، أو لسوء تدبيره. فقال:{فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم} ليدفع ذلك عنه، وليقول إنه إن عفا وغفرَ فعن كمالِ العزةِ والقدرة، وعن غايةِ الحكمة والتدبير، فكان الختم بهما أولى مما ذكر المعترض.
٤- وقيل: إن المقام مقام تَبرؤٍ مما نُسِبَ إليه، وليس مقام طلبِ عفوٍ ومغفرة فلا يصح في هذا المقام الصفح والمغفرة.
جاء في (البرهان) : "وقيل لأنه مقام تَبرٍّ، فلم يذكر الصفةَ المقتضيةَ استمطارَ العفوِ لهم، وذكر صفة العدل في ذلك، بأنه العزيز الغالب، وقوله:(الحكيم) الذي يضع الأشياء في مواضعها فلا يعترض عليه، إن عفا عمن يستحق العقوبة".
٥- وقيل: إنه لا يجوز المغفرة والرحمة، أو التعريض بهما لهؤلاء لأن هؤلاء مقطوع لهم بالعذاب، وعدم المغفرة، لأنهم مشركون قال:{إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ}[النساء: ٤٨] .
وكما قال الله: إنه لا يغفر للمشركين، قال: إنه لا يصح سؤال المغفرة للمشركين لا من نبيٍّ، ولا من غيره، قال تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ والذين آمنوا أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانوا أُوْلِي قربى}[التوبة: ١١٣] .
فلا يجوز التعريض بالمغفرة، بل الذي يصح هو تفويض الأمر إليه، وتركه إلى حكمته سبحانه، بل إنَّ ما دان به هؤلاء أكبر من الشرك وأعظم،