فإن الشرك أن تجعل لله نداً، وكان المشركون في الجاهلية يجعلون مع الله آلهةً أخرى يعبدونهم، ليقربوهم إليه زلفى. وأما هؤلاء فقد عبدوا المسيح وأمه من دون الله، فإنهم جعلوه أقل من الشريك، فهم أوْلى بعدم المغفرة ورجائها لهم.
٦- ولا يَحْسنُ طلبُ المغفرة لهم، أو التعريض بها من السيد المسيح من جانب آخر، ذلك أن الأمر يتعلق به هو، أعني بعيسى، عليه السلام، فإنه مسؤول مستنطق عما ادُّعيَ عليه أنه قاله وهو أنه طلب من الناس أن يعبدوه وأمه، وأن يتركوا عبادة الله. وقد ذكر السيد المسيح أن هذا افتراء عليه، فكيف يصح أدباً أن يطلب المغفرة أو يعرض بها لهؤلاء المفترين الذين أعلَوه وأمه على الله سبحانه؟
إنه لو كان الأمر يتعلق بغيره، لكان من السماجة الشفاعة لهم، لأن ما فعلوه أعظم من الشرك، فكيف والأمر يتعلق به هو؟ إن طلب المغفرة لهم يعني التغاضي أو التهوين من شناعة هذا الأمر ويوهِمُ الرضا به والارتياح له. ألا ترى أنه لو اتُّهمَ مسؤول الشرطة مثلاً بأنه أصدر أمراً للإطاحة بالملك، ليكون هو مكانه، ثم قبض على هذا المسؤول واستجوب، فنفى أن يكون له علمٌ بذلك، أكان يصح أن يَطلبَ من الملك العفو عن هؤلاء الذين خلعوا سلطانه، وأعلنوا العصيان عليه، وادعوا أن هذا بأمرِ مسؤول الشرطة نفسه؟
إنه الآن في مقام دفع التهمة عن نفسه، وإثبات براءته، فكيف يصح أن يطلب العفو عن هؤلاء الجناة المفترين؟ إنه الآن في موقفٍ يحتاجُ إلى الشفاعة لا أن يشفع هو.
فتبين من هذا أن ختم الآية بما ختم من العزة والحكمة هو الأولى.