ومنها: أنَّه تعالى لما أمر بصيام ثلاثة أيَّام فى الحجِّ وسبعة بعد الرُّجوع، فليس فيه بيان أنَّه طاعةٌ عظيمة كاملة، فلمَّا قال بعده:{تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} دلَّ ذلك على أنَّ هذه الطَّاعة فى غاية الكمال؛ وذلك لأنَّ الصَّوم مضافٌ إلى الله تعالى بلام الاختصاص كما قال:«الصَّوْمُ لي» ، والحجُّ أيضاً مضاف إلى الله تعالى بلام الاختصاص كما قال «الصَّوْمُ لي» ، فَكَمَا دَلَّ النَّصُّ على مَزِيدِ اختصاص هاتين العبادتين بالله - سبحانه وتعالى -، فالفعل دلَّ أيضاً على ذلك.
أمّا فى الصَّوم فلأنَّه عبادة لا يطّلع العقل على وجه الحكمة فيها ألبتَّة، وهو مع ذلك شاقٌّ على النَّفس جدّاً، فلا جرم لا يؤتى به إلَاّ لمحص مرضاة الله - تعالى - ثمَّ إنَّ صوم هذه تعني الانقياد له.
وكذا الحجّ عبادة لا يطَّلع العقل على وجه الحكمة في ألبتَّة، وهو مع ذلك شاقٌ جداً؛ لأنَّه يوجب مفارقة الأهل، والولد والتَّباعد عن أكثر اللَّذَّات، فلا جرم لا يؤتى به إلاّ لمحض مرضاة الله تعالى، ثمَّ إنَّ صوم هذه الأيّام العشرة بعضه واقعٌ في زمن الحج، فيكون جمعاً بين شيئين شاقَّين جدّاً، وبعضه واقعٌ بعد الفراغ من الحجِّ، وهو انتقالٌ من شاقِّ إلى شاقٍّ، ومعلوم أنَّ ذلك سبب لكثرة الثَّواب، وعلوِّ الدَّرجة، فلا جرم لمَّا أوجب الله - تعالى - صيام هذه الأيَّام العشرة، شهد سبحانه على أنَّها عبادة كاملة فى غاية الكمال والعلوّ، فقال تعالى:{تِلْكَ عَشَرةٌ كَامِلَةٌ} ، أي: وإنها كاملة.
قوله:«ذَلِكَ لِمَنْ»«ذَلِكَ» مبتدأ، والجارُّ بعده الخبر. وفي اللَاّم قولان:
أحدهما: أنَّها على بابها، أي: ذلك لازمٌ لمن.
والثاني: أنها بمعنى على، كقوله:{أولئك لَهُمُ اللعنة}[الرعد: ٢٥] ، وقال عليه السَّلام:«اشْتَرِطِي لَهُمُ الوَلَاءَ» ، أي: عليهم، وقوله:{وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}[الإسراء: ٧] أي: فعلهيا، وذلك إشارة إلى التَّمتُّع، والقران للغريب [ولا حاجة إلى هذا. و «مَنْ» يجوز أن تكون موصولة، وموصوفة. و «حَاضِرِي» خبر «يَكُن» ، وحذفت نونه للإضافة] .
فصل
قوله:«ذلك» إشارة إلى أمرٍ تقدَّم، وأقرب الأمور المذكورة، ذكر ما يلزم المتمتع من الهدي وبدله.
وقال بعض العلماء: لزوم الهدي وبدله للمتمتّع مشروطٌ بألاّ يكون من حاضري المسجد الحرام، فإن كان من أهل الحرم، فلا يلزمه هدي المتمتّع، وإنَّما لزم الآفاقي،