بعضُهُمْ عن سيبويه صريحاً، وإذا ثبت ذلك لغةً، فلا معنى إلى ادَّعاء الشذوذ فيه.
قوله: {لَمَغْفِرَةٌ} اللام لامُ الابتداءِ، وهي ما بعدها جواب القسم - كما تقدم - وفيها وجهان:
الأول: وهو الأظهر -: انها مرفوعة بالابتداء، والمسوِّغات - هنا - كثيرة: لام الابتداء، والعطف عليها في قوله: {وَرَحْمَةٌ} ووصفها، فإن قوله {مِّنَ الله} صفة لها، ويتعلق - حينئذٍ - و «خيرٌ» خبر عنها.
والثاني: أن تكون مرفوعةً على خبر ابتداءٍ مُضْمَرٍ - إذا أُرِيدَ بالمغفرة والرحمة القتل، أو الموت في سبيل الله؛ لأنهما مقترنان بالموت في سبيل الله - فيكون التقدير: فلذلك، أي: الموت أو القتل في سبيل الله - مغفرة ورحمة خير، ويكون «خيرٌ» صفة لا خبراً، وإلى هذا نحا ابنُ عطيةَ؛ فإنه قال: وتحتمل الآية أن يكون قوله: {لَمَغْفِرَةٌ} إشارة إلى الموت، أوالقتل في سبيل الله، فسمى ذلك مغفرة ورحمة؛ إذ هما مقترنان به، ويجيء التقديرُ: لذك مغفرةٌ ورحمةٌ، وترتفع المغفرةُ على خبر الابتداء المقدر، وقوله: «خير» صفة لا خبر ابتداء انتهى، والأول أظهر.
و «خير» - هنا - على بابها من كونها للتفضيل وعن ابن عباسٍ: خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء.
قال ابن الخطيبِ: «والأصوب - عندي - أن يقال: إن هذه اللام في» المغفرة «للتأكيد، فيكون المعنى: إن وجب أن تموتوا، أو تُقْتَلوا، في سفركم أو غزوكم، فكذلك وجب أن تفوزوا بالمغفرة - أيضاً - فلماذا تَحْتَرزون عنه؟ كأنه قيل: إن الموت والقتل غير لازم الحصولِ، ثمَّ بتقدير أن يكون لازماً، فغنه يستعقب لزوم المغفرةِ، فكيف يليق بالعاقل ان يحترز عنه» ؟
قوله: {وَرَحْمَةٌ} أي: ورحمة من الله، فحذف صفتها لدلالة الأولى عليها، ولا بُدَّ من حذف آخر، مصحِّح للمعنى، وتقديره: لمغفرةٌ لكم من الله، ورحمة منه لكم.
فإن قيل: المغفرة هي الرحمة، فلِمَ كرَّرها، ونكَّرَها؟
فالجوابُ: أما التنكير فإن ذلك إيذان بأن أدنى خير أقل شيءٍ خير من الدنيا وما فيها، وهو المراد بقوله: «مما تجمعون» ونظيره قوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ} [بالتوبة: ٧٢] والتنكير قد يشعر بالتقليل، وأما التكرير فلا نسلمه؛ لأن المغفرة مرتبة على الرحمة، فيرحم، ثم يغفر.
قوله: «مما يجمعون» «ما» موصولة اسمية، والعائدُ محذوفٌ، يوجوز أن تكون مصدرية.
وعلى هذا فالمفعول به محذوف، أي: من جمعكم المال ونحو.
وقراءة الجماعة «تجمعون» - بالخطاب - جَرياً على قوله: «ولئن قتلتم» وحفص -