اليهود عليهم الإيمان بجميع الرسل، وهو مما لا يُنْقَمُ ذَكَرَ في مُقَابلته فسقَهُمْ، وهو مما يُنْقَم، ومثل ذلك حَسًنٌ في الازدواج، يقول القائل:«هل تنقم مني إلا أن عفوت عنك، وأنَّكَ فاجر» فيحسن ذلك لإتمام المعنى بالمقابلة.
وقال أبُو البقاء: والمعنى على هذا: إنكم كرهتم إيماننا وامتناعكم، أي كرهتم مخالفتنا إياكم وهذا كقولك للرجل:«ما كرهت مني إلا أني مُحَبَّبٌ للناس، وأنك مبغض» ، وإن كان لا يعترف بأنه مبغض.
وقال ابن عطية:{وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} هو عند أكثر المتأوِّلين معطوف على قوله: «أنْ آمنَّا» ، فيدخل كونهم فاسقين فيما نَقَمُوهُ وهذا لا يتجه معناه.
ثم قال بعد كلام:«وإنَّمَا يَتَّجِهُ على أن يكون معنى المحاورة: هل تنقمون منا إلا مجموع هذه الحال من أنا مؤمنون وأنتم فاسقون، ويكون {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} مما قرره المخاطب لهم، وهذا [كما] يقول لمن يخاصم:» هل تنقم عليَّ إلا أن صدقت أنا، وكذبت أنت «، وهو لا يُقِرُّ بأنه كاذب، ولا ينقم ذلك، لكن معنى كلامك: هل تنقم إلا مجموع هذه الحال» وهذا هو مجموع ما أجاب به الزَّمَخْشَرِيُّ والواحِديُّ.
الوجه الثاني من أوجه النصب: أن يكون معطوفاً على «أنْ آمنَّا» أيضاً، ولكن في الكلام مضاف محذوف لصحة المعنى، تقديره:«واعتقاد أنَّ أكثركم فاسقون» وهو معنى واضح، فإنَّ الكفار ينقمون اعتقاد المؤمنين أنهم فاسقون.
الثالث: أنه منصوب بفعل مقدر، تقديره: هل تنقمون منا إلا إيماننا، ولا تنقمون فسق أكثركم.
الرابع: أنه منصوب على المعيَّة، وتكون «الواو» بمعنى «مع» تقديره: «وما تنقمون منا إلا الإيمان مع أن أكثركم فاسقون» .
ذكر جميع هذه الأوجه أبُو القَاسِمِ الزَّمَخْشَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
الخامس: أنه منصوب عَطْفاً على «أنْ آمنَّا» ، و «أن آمنَّا» مفعول من أجله فهو منصوب، فعطف هذا عليه، والأصل:«هل تنقمون إلا لأجل إيماننا، ولأجل أن أكثركم فاسقون» ، فلمَّا حذف حرف الجر من «أنْ آمنَّا» بقي منصوباً على أحد الوجهين المشهورين، إلا أنه يقال هنا: النصب هنا ممتنع من حيث إنَّهُ فُقِد شرطٌ من المفعول له، وهو اتحاد الفاعل، والفاعل هنا مختلف، فإن فاعل الانتقام غير فاعل الإيمان، فينبغي أن يُقَدَّر هنا محلُّ «أنْ آمنَّا» جراً ليس إلَاّ، بعد حذف حرف الجر، ولا يجري فيه الخلاف المشهور بين الخَلِيلِ وسيبَويْهِ في محل «أنْ» إذَا حذف منها حرف الجر، لعدم اتحاد الفاعل.