وأجِيبَ عن ذلك بأنَّا وإنْ اشترطنا اتحاد الفاعل فإنَّا نجوِّزُ اعتقادَ النصب في «أنْ» و «أنَّ» إذا وقعا مفعولاً من أجله بعد حذف حرف الجر لا لكونهما مفعولاً من أجله، بل من حيث اختصاصهما من حيث هما بجواز حذف حرف الجر لطولهما بالصلة وفي هذه المسألة بخصوصها خلاف مذكور في بابه، ويدُلُّ على ذلك ما نقله الواحدي عن صاحب «النَّظْم» ، فإنَّ صاحب «النظم» ذكر عن الزجاج معنًى، وهو: هل تكرهون إلا إيماننا على دينكم، وهذا معنى قول الحسنِ: نقمتم علينا.
قال صاحب «النَّظْمِ» : فعلى هذا يجب أن يكون موضع «أن» في قوله: {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} نَصْباً بإضمار «اللام» على تأويل «ولأنَّ أكْثَرَكُمْ» ، والواو زائدة، فقد صرح صاحب النظم بما ذكرناه.
الوجه السادس:[أنه] في محل نَصْب على أنه مفعول من أجله ل «تنقمون» والواو زائدةٌ كما تقدَّم تقريره عن الزمخشري.
[وهذا الوجه الخامس يحتاج إلى تقرير] ليفهم معناه، قال أبُو حيَّان بعد نقله الأوجه المتقدمة:«ويظهر وجه آخر [لعلَّه] يكون الأرجح، وذلك أن» نَقَمَ «أصله أنْ يتعدى ب» على «تقول:» نَقَمْتُ عَلَيْه «، ثم تبني منه [افتعل إذ ذاك] ب» من «ويضمَّن معنى الإصابة بالمكروه، قال تعالى:{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ}[المائدة: ٩٥] ، ومناسبة التضمين فيها أنَّ مَنْ عاب على شخص فعله، فهو كاره له، ومصيبه عليه بالمكروه، فجاءت هنا» فَعَل «بمعنى» افْتَعَل «ك» قدر «و» اقتدر «، ولذلك عُدِّيت ب» من «دون» على «التي أصلها أن تتعدى بها، فصار المعنى: وما تنالون منا، وما تصيبوننا بما نكره، إلا أنْ آمَنَّا، [أي: إلَاّ لأنْ آمنا،] فيكون» أن آمنَّا «مفعولاً من أجله، ويكون {وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ} معطوفاً على هذه العلة، وهذا - والله أعلم - سبب تعديته ب» من «دون» على «انتهى ما قاله، ولم يصرح بكون حينئذٍ في محلِّ نصب أو جرٍّ، إلَاّ أن ظاهر حاله أن يُعتقَدَ كونه في محل جرٍّ، فإنه إنَّمَا ذكر في أوجه الجر.
وأمَّا الجَرُّ فمن ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه عطف على المؤمن به.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ:» أي: وما تنقمون منَّا إلا الإيمان بالله، وما أنزل، وبأن أكْثرَكُمْ فِاسِقُونَ «وهذا معنى واضح، قال ابن عطية:» وهذا مستقيمُ المعنى؛ لأن إيمان