وإنَّما خصَّ الذهبَ والفضة بالذِّكر من بين سائر الأموالِ؛ لأنهما الأصل المعتبر في الأموال، وهما اللذان يقصدان بالكنز، ثم قال:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي: فأخبرهم على سبيل التَّهكم لأنَّ الذين يكنزون الذَّهب والفضة، إنَّما يكنزوهما، ليتوسَّلوا بهما إلى تحصيل الفرج يوم الحاجة فقيل: هذا يوم الفرج، كما يقال: تحيتهم ليس إلَاّ الضرب، وإكرامهم ليس إلا الشتم وأيضاً: فالبشارةُ: عبارة عن الخيرِ الذي يؤثر في القلبِ؛ فيتغير بسببه لون بشرة الوجهِ وهذا يتناول ما إذا تغيَّرت البشرة بسبب الفرح أو بالغم.
وقيل: بمحذوفٍ يدلُّ عليه «عذاب» أي: يُعذَّبُون يوم يُحْمَى، وقيل: هو منصوبٌ ب «أليم» . وقيل: الأصلُ: عذاب يوم، و «عذاب» بدل من «عذاب» الأوَّلُ، فلمَّا حذف المضافُ أقيم المضافُ إليه مُقامه.
وقيل: منصوبٌ بقولٍ مضمر، وسيأتي بيانه.
و «يحمى» يجوزُ أن يكون من «حَمَتْيُ أوْ أحْمَيْتُ ثلاثياً ورباعياً، يقالُ: حَمَيْتُ الحديدة، وأحميتُهَا، أي: أوْقَدْتُ عليها، لِتَحْمَى، والفاعلُ المحذوفُ هو» النَّارُ «تقديره: يوم تُحْمَى النارُ عليها، فلما حذف الفاعل، ذهب علامةُ التأنيث، لذهابه كقولك: رُفِعَت القضية إلى الأمير، ثم تقول: رُفع إلى الأمير.
وقيل: لأنَّ تأنيثَ» النَّار «مجازي، والفعل غيرُ مسند في الظَّاهر إليه، بل إلى قوله» عَلَيْهَا «فلهذا حسن التَّذكير والتأنيث.
وقيل: المعنى: يُحْمَى الوقود. وقرأ الحسنُ» تُحْمَى «بالتَّاءِ من فوق، أي: النَّار، وهي تؤيد التأويل الأوَّل.
وقرأ أبو حيوة» يُكْوى «بالياء من تحت؛ لأنَّ تأنيث الفاعل مجازيٌّ.
وقرأ الجمهور:» جِباهُهُم «بالإظهارِ وقرأ أبو عمرو في بعض طرقه بالإدغام، كما أدغم {سَلَكَكُمْ}[المدثر: ٤٢] ، و {مَّنَاسِكَكُمْ}[البقرة: ٢٠٠] ، ومثل» جِباهُهم «، {وُجُوهُهُمْ}[آل عمران: ١٠٦] ، والمشهور الإظهار.
قوله:{هذا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ} أي: جزاء ما كنتم؛ لأنَّ المكنوز لا يُذاق و» ما «يجوزُ أن تكون بمعنى» الذي «، فالعائدُ محذوفٌ، وأن تكون مصدرية. وقرىء» تَكْنُزُون «بضم عين المضارع، وهما لغتان، يقال: كَنَزَ يَكْنِزُ، ويَكْنُزُ، ك: يقتل.