المنقطع الذي لمْ يتوجَّهْ عليه العاملُ بحالٍ، وهذا النَّوعُ يجبُ فيه النَّصْبُ على كلتا اللغتين وإنَّما تكون اللغتان فيما جاز توُّهُ العامل عليهن وفي كلا النوعين يكون ما بعد «إلَاّ» من غير الجنس المستثنى، فكونه جاز فيه اللغتان دليل على أنَّهُ يتوجَّه عليه العاملُ وهو أنه قد فرض أنه لم يقصد بالاستثناء إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهيِّين عن الالتفاتِ؛ فكان يجبُ فيه إذ ذاك النَّصْبُ قولاً واحداً.
قال شهابُ الدِّين:«أمَّا قوله:» إنَّه لم يتوجَّه عليه العامل «ليس بمسلَّم، بل يتوجَّهُ عليه في الجملة، والذي قاله النُّاة ممَّا لم يتوجَّه عليه العاملُ من حيثُ المعنى نحو: ما زاد إلَاّ ما نقص، وما نفع إلَاّ ما ضرَّ، وهذا ليس من ذاك، فكيف يعترض به على أبي شامة؟» .
وأمَّا النصب ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنَّهُ مستثنى من «بأهلكَ» ، واستشكلُوا عليه إشكالاً من حيث المعنى: وهو أنه يلزمُ ألَاّ يكون سرى بها، لكن الفرض أنه سرى بها يدلُّ عليه أنَّها التفتت، ولو لم تكن معهم لما حسن الإخبار عنها بالالتفات، فالالتفاتُ يدل على كونها سرت معهم قطعاً.
وقد أجيب عنه بأنه لم يَسْرِ هو بها، ولكن لمَّا سرى هو وبنتاه تبعتهم فالتفتت، ويؤيِّد أنَّه استثناء من الأهل ما قرأ به عبد الله وسقط من مصحفه، «فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقطْعٍ من اللَّيْلِ إلَاّ امرأتك» ولم يذكر قوله {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ} .
والثاني: أنَّهُ مستثنى منْ «أحد» وإن كان الأحسنُ الرّفع إلَاّ أنَّهُ جاء كقراءة ابن عامرٍ: {مَّا فَعَلُوهُ إِلَاّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ}[النساء: ٦٦] ، بالنَّصْبِ مع تقدُّم النفي الصَّريح.
وهناك تخريجٌ آخرُ لا يمكن هنا.
والثالث: أنه مستثنى منقطعٌ على ما تقدَّم عن أبي شامة.
وقال الزمخشري:«وفي إخراجها مع أهله روايتان، روي أنَّه أخرجها معهم، وأمر أن لا يلتفت منهم أحدٌ إلَاّ هي، فلمَّا سمعتْ هدَّة العذاب التفتت وقالت: يا قوماه، فأدركها حجرٌ فقتلها، وروي أنه أمر بأن يخلِّفها مع قومها فإنَّ هواها إليهم ولم يَسْرِ بها، واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين» .
قال أبُو حيَّان:«وهذا وهمٌ فاحشٌ، إذْ بَنَى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنَّه سرى بها أو لم يسر بها وهذا تكاذبٌ في الإخبار، يستحيلُ أن تكون القراءتان - وهما من كلام الله تعالى - يترتبان على التَّكاذُبِ» .