للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والنافلةُ في اللغة: الزيادة على الأصل، وقد تقدَّم في الأنفال، وفي تفسير كونها زيادة ها هنا قولان مبنيَّان على أنَّ صلاة الليل، هل كانت واجبة على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ أم لا؟ .

فقيل: إنَّها واجبة عليه؛ لقوله سبحانه وتعالى: {يا أيها المزمل قُمِ الليل إِلَاّ قَلِيلاً} [المزمل: ١، ٢] ثم نسخت، فصارت نافلة، أي: تطوُّعاً وزيادة على الفرائض.

وذكر مجاهد والسدي في تفسير كونها نافلة وجهاً حسناً، قالا: إنَّ الله قد غفر للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ما تقدَّم من ذنبه، وما تأخَّر، فكلُّ طاعةٍ يأتي بها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سوى المكتوبةِ لا تؤثر في كفَّارة الذنب، بل تؤثر في زيادة الدَّرجاتِ، وكثرة الثَّواب؛ فكان المقصود من تلك العبادة زيادة الثواب، فلهذا سمِّي نافلة؛ بخلاف الأمة؛ فإنَّ لهم ذنوباً محتاجة إلى التكفير، فهذه الطاعة يحتاجون إليها؛ لتكفير السَّيئات عنهم؛ فثبت أنَّ هذه الطاعات إنَّما تكون زوائد ونوافل في حقِّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا في حقِّ غيره، فلهذا قال: «نَافلةً لكَ» ، فهذا معنى يخصِّصهُ.

وأمَّا من قال: إنَّ صلاة الليل كانت واجبة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقالوا: معنى كونها نافلة له على التخصيص، يعني: أنَّها فريضةٌ لك، زائدة على الصَّلوات الخمس، خصِّصت بها من دون أمَّتك؛ ويدلُّ على هذا القولِ قوله تعالى: {فَتَهَجَّدْ} والأمر للوجوب، ويرد هنا قوله: {نَافِلَةً لَّكَ] ، لأنَّه لو كان المراد الوجوب، لاقل: «نَافِلةً عليك» .

واعلم أنَّ قوله تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل وَقُرْآنَ الفجر} وإن كان ظاهر الأمر فيه مختصًّا بالرسول - صلوات الله عليه وسلامه - إلا أنَّه في المعنى عامٌّ في حقِّ الأمَّة؛ ويدلُّ عليه قوله تعالى: {وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} بيَّن أن الأمر بالتهجد يختصُّ بالرسول - صلوات الله وسلامه عليه - والأمر بالصَّلوات الخمس غير مخصوصٍ بالرسول - صلوات عليه - وإلَاّ لم يكن لتقييد المر بالتهجُّد بهذا القيد فائدةٌ.

قوله تعالى: {عسى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} في نصب «مقاماً» أربعة أوجه:

أحدها: أنه منصوبٌ على الظرف، أي: يبعثك في مقام.

الثاني: أن ينتصب بمعنى «يَبْعثكَ» ؛ لأنه في معنى «يُقِيمكَ» ؛ يقال: أقيم من قبره، وبعث منه، بمعنًى، فهو نحو: قعد جلوساً.

الثالث: أنه منصوبٌ على الحال، أي: يبعثك ذا مقامٍ محمود.

الرابع: أنه مصدر مؤكد، وناصبه مقدر، أي: فيقوم مقاماً.

و «عَسَى» على الأوجه الثلاثة دون الرابع يتعيَّن فيها أن تكون التامة؛ فتكون مسندة إلى «أنْ» وما في حيِّزها؛ إذ لو كانت ناقصة على أن يكون «أنْ يَبْعثكَ» خبراً مقدَّماً، و «ربُّكَ» اسماً مؤخراً؛ لزمَ من ذلك محذورٌ: وهو الفصل بأجنبي بين صلة الموصول ومعمولها، فإنَّ «مَقاماً» على الأوجه الثلاثة الأول: منصوبٌ ب «يَبْعثكَ» ، وهو صلة ل «أنْ» ، فإذا جعلت «ربُّكَ» اسمها، كان أجنبيًّا من الصلة، فلا يفصل به، وإذا جعلته فاعلاً، لم يكن أجنبيًّا، فلا يبالي بالفصل به.

<<  <  ج: ص:  >  >>