(٦) والمقصود بهم يوسف كما ذكر شيخ الإسلام بقوله: «الهمَّ اسم جنس تحته نوعان: ١ - هم خطرات، ٢ - هم إصرار. ويوسف هم هماً تركه لله، لذلك صرف الله عنه السوء لإخلاصه … وأما ما يُنقل من أنه حل سراويله وجلس مجلس الرجل من المرأة وأنه رأى صورة يعقوب عاض على يده وأمثال ذلك، فكله مما لم يخبر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كن كذلك فهو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس كذباً على الأنبياء وقدحاً فيهم، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله، لم يُنقل من ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم»، انظر: باختصار دقائق التفسير ٣/ ٢٧٢ - ٢٧٣. وذكر الإمام الشنقيطي في تفسيره لقوله تعالى: بقوله: (فإن قيل ماذا تقولون في قوله تعالى {وهم بها}؟ فالجواب من وجهين: الأول: أن المراد بهم يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى، وقال بعضهم: هو الميل الطبَّعيّ والشهوة الغريزية المذمومة، وهذا لا معصية فيه؛ لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف، والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه: هذا ما يهمني ويقول فيما يحبه ويشتهيه: هذا أهم الأشياء إلي، بخلاف هم امرأة العزيز، فإنه هم عزم وتصميم، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه والجواب الثاني: وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلاً، بل هو منفي عنه لوجود البرهان. قال مقيده - عفا الله عنه -: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية؛ لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب: أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه، كقوله: {فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ}، أي إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، فالأول: دليل الجواب المحذوف، لا نفس الجواب؛ لأن جواب الشرط، وجواب {لولا} لا يتقدم، ولكن يكون المذكور قبله دليلاً عليه، كالآية المذكورة، وكقوله: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، أي: إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم. وعلى هذا القول: فمعنى الآية: وهم بها لولا أن رأى برهان ربه، أي لولا أن رآه همَّ بها. فما قبل {لولا} هو دليل الجواب المحذوف، كما هو الغالب في القرآن واللغة. ونظير ذلك قوله تعالى: {إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فما قبل (لولا) دليل الجواب، أي: لولا أن ربطنا على قلبها لكانت تبدي به. وأما أقوال السلف: فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك؛ لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعض، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين، فضلاً عن المقطوع لهم بالعصمة. والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب فبهذين الجوابين تعلم أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بريء من الوقوع فيما لا ينبغي. انظر باختصار أضواء البيان ٣/ ٦٦ - ٨١.