(والمقصود أن فيها الدلالة على أن ستر جميع الجسد كان قد صار ديدن نساء الصحابة والتابعين ونساء المسلمين. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليه آيات الحجاب فقام بتعليمها وتعليم تأويلها وحكمتها، هاهم أولئك الصحابة كافة الأنصار منهم والمهاجرون تعلموا منه معنى تلك الآيات، ثم رجعوا إلى بيوتهم فعلموهم أزواجهم وبناتهم وأخواتهم ونساء بيوتهم، وهاهن الصحابيات الطاهرات سمعن هذه الآية وتعملنها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ممن تعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فشققن مروطهن وغطين وجوههن، وجعلن النقاب جزءًا أو لباسَا من ألبستهن، وهذا هو الذي صار ديدن نساء العرب ونساء المسلمين كافة، لا زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين فقط، بل حكى الشوكاني عن ابن رسلان اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق (نيل الأوطار ٦/ ٢٤٥) . ولم يكن فعلهم وفعل نسائهم هذا تطوعَا، ولا التزاما من قبل أنفسهن بما لم يلزمه الله ورسوله، كما يزعمه الله ورسوله، كما يزعمه الزاعمون، بل فعلوا كل ذلك - كما أخبرتنا الصديقة بنت الصديق- إيمانا بكتاب الله وتصديقًا بتنزيله، وامتثالَا بأوامر الله وتناهيًا عن نواهيه، ولم يكن يخفى عليهم أن أوامر الله للوجوب ونواهيه للتحريم، وأن نساءهم بتغطيه وجوههن يمتثلن أمر الحجاب وأمر إدناء الجلباب، ويتناهين عن إبداء الزينة، وأنهن ممثلات للمجتمع الذي يريد الله ثم يريد رسوله إقامته، وبعد هذا كله لا أدري كيف يشك شاك في وجود ستر الوجوه وحرمة إبدائها؟ وماذا ومن ذا بعد الله ورسوله والصحابة والمؤمنين حتى يعتمد عليه؟ اهـ "من مجلة الجامعة السلفية".