للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الله تعالى حينما نهى إبداء الزينة أسند الفعل إلى النساء، وجاء به متعديَا، لكنه حينما استثنى لم يقل "إلا ما أظهرن منها"، بل قال: (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) فعدل الفعل عن التعدي إلى اللزوم ولم يسنده إلى النساء،

ومقتضى هذا أن المرأة مأمورة بإخفاء الزينة مطلقا، وليست مخيرة في إبداء شيء منها، نعم! إنها إذا التزمت بالإخفاء، وتقيدت به، ثم ظهر من تلك الزينة شيء من غير أن تقصر وتفرط في الإخفاء، ومن غير أن تقصد وتتعمد الإِبداء، فإنها لا تعاتب عليه ولا تؤاخذ به عند الله، هذا هو المفهوم من سياق هذه الآية، وهذا الذي يقتضيه نظم الكلام.

ومن هنا يعرف أن كل زينة يمكن للمرأة إخفاؤها فهي مأمورة بإخفائها، سواء كان الوجه والكفان أو الكحل والخاتم والسواران، وأنها لو قصرت في إخفاء مثل هذه الزينة، وكشفتها تعمدًا تؤاخذ عليها، وأن كل زينة لا يمكن إخفاؤها- مثل الثياب الظاهرة- أو يمكن إخفاؤها

ولكنها انكشفت من غير أن تتعمد المرأة لكشفها أو تشعر بانكشافها، فإنها

لا تؤاخذ عليها، ولا تستحق عتابًا ما، كما أنها لا تؤاخذ ولا تعاتب إذا كشفتها عمدا- لأجل حاجة أو مصلحة ألجأتها إلى كشفها، فكأن المرأة لم تباشر ولم تتعمد كشفها، وإنما الحاجة أو المصلحة هي التي كشفتها، فلا

عتاب على المرأة، فقوله تعالى: (إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) في معنى قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)

والحاصل أن الزينة نوعان، نوع يمكن إخفاؤها، فالمرأة مأمورة بإخفاء هذا النوع من الزينة مهما كانت، ونوع لا يمكن إخفاؤها، أو يمكن ولكنها تنكشف من غير أن تتعمد المرأة كشفها، أو تعتري حاجه تلجئ المرأة إلى إبدائهما، فهذا النوع هو المراد بقوله تعالى: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) والمرأة لا تؤاخذ على ظهور هذا النوع من زينتها، ولما كان هذا النوع من الزينة يختلف باختلاف الظروف والحاجات والمصالح، ولا يمكن تحديدها بحد معين لا يقبل الزيادة والنقصان تركها الله ورسوله على إبهامها تيسيرا

<<  <  ج: ص:  >  >>