ويضرب لذلك مثلا بالثياب الظاهرة، أو ما انكشفت من أعضائها لأجل تيار الهواء من غير قصد منها، والنظر إلى المخطوبة قبل النكاح، أو كشف المرأة بعض أعضائها أمام الطبيب لدفع الحرج، أو كشفها للوجه والكفين أمام الشاهد، هذه وأمثالها من الصور، التي تلتجئ المرأة فيها إلى كشف أعضائها التي أمرت بسترها إجماعَا، ولا عتاب عليها في تلك
الصور، فإن كل ذلك مما ظهر من زينتها من غير أن تبديها بخيارها.
ومن هنا يظهر أن تحديد (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) في الوجه والكفين أو الخاتم والسوارين أو الكحل والخضاب وأمثالها لا يصح، بل الصحيح هو تركه على إبهامه وعمومه، وأنه شامل لجميع جسد المرأة حسب الحاجة والظروف، وأن الذين حددوه في مقدار معين فقد وقعوا في التفريط، ولكنهم بجنب هذا التفريط وقعوا في الإفراط، فإنهم أباحوا لها أن تبدي هذا القدر مطلقا، سواء دعت الحاجة إلى كشفها أم لا، مع أن الله لم يخيرهن في إبداء شيء من الزينة، وإنما عفا عنهن ما ظهر منها بنفسها.
وإذا تحقق معنى هذه الآية فليكن على ذكر من القارئ الكريم أن قوله تعالى:(وَلَا يُبْدِينَ) مضارع في معنى النهي، والنهي للتحريم، وإذا وقع النهي بصيغة المضارع يكون آكد في التحريم، فالآية صريحة في أن إبداء الزينة حرام على المرأة، فهي دليل على وجوب الحجاب، وأن الوجه والكفين داخلان فيه.
والذين يستدلون بهذه الآية على جواز كشف الوجه والكفين لم أر لهم شيئا يروي الغليل ويشفي العليل، وإنما جل ما يتوكئون عليه هو صرف الآية عن معناها المنصوص إلى غيره مستدلا بقول ابن عباس وأصحابه، وقول ابن عباس يأبى عما ينحلون إليه.
وذلك لأن ابن عباس وعدة من أصحابه فسروا إدناء الجلباب بتغطية الوجه، ولم يكن يخفى عليهم أنهم يفسرون أمرا من أوامر الله تعالى، وأن