رجل في منزلة الإمام أحمد، ويحيى بن معين: حافظ متقن ثقة ابن ثقة، نزه عن الشبهات، ورع في دينه، قدوة في عبادته وأخلاقه، عدل صدوق له أن يقدم لنا هذا المصنف الفريد فيمن ثبت لديه توثيقه وعدالته؛ ونلحظ من كتابه أن توثيقه من أجود درجات التوثيق، وتحريه من أعلى درجات الدقة، فليس في كتابه مغالاة وتطرف، لا بل هو إلى الاعتدال أقرب، وانظر إلى توثيقه "أبان بن إسحاق المدني" مع إسراف غيره في جرحه.
هذه الدقة وتحري الصدق دعت المؤلفين في كتب الرجال اعتماد كتابه، فمن وثقهم لا خلاف عليهم، وقد ضمن الحافظ ابن حجر كتابه "الثقات" في "تهذيب التهذيب" واستشهد بكثير من كلامه، وتراه متناثرًا في كتاب التهذيب، كما نقل عنه "ابن خلفون".
من هنا، ولعدم وجود نسخة خطية أخرى، فقد اعتبرنا أن كتاب "تهذيب التهذيب" هو نسختنا الثانية، فعارضنا النسخة المخطوطة على كتاب التهذيب، فما وافقه قابلناه، وما زاد عليه الحافظ ابن حجر بألفاظ: قال العجلي، وثقه العجلي، قال صالح بن أحمد، أشرنا إلى تضمينه إياه بعبارة "تضمينات الحافظ ابن حجر"، حيث إنه يبدو أن النسخة التي اعتمدها الحافظ ابن حجر بها زيادات عن النسخة التي بأيدينا، فقد وثق من لم يرد بالكتاب، ولم يوثق بعض من ورد بالكتاب، مثل: الضحاك بن شرحبيل لم يوثقه ابن حجر، وهو موثق عند العجلي، وهكذا، كان بإمكاني جدولة تضمينات الحافظ ابن حجر وإلحاقها في نهاية الكتاب، بيد أني اعتمدت الرأي الأول لسهولة الكشف عن المطلوب، وحتى لا يصبح الكتاب عسر التناول، وميزت تضمينات الحافظ ابن حجر بنجمة خاصة.
كما أنني -بعد ذلك- قابلت الكتاب كله على الكتب التالية: