يقول ابن إسحاق: كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت وهي التي روت الحادثة حيث قالت: وكان حسان معنا في الحصن مع النساء والصبيان فمر بنا رجل من يهود فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم، ولا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا، إذا أتانا آت فقلت: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنا مَن وراءنا من يهود، وقد شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله.
قال حسان: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا تقول صفية: فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئًا احتجزت ثم أخذت عمودًا، ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته، فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان انزل فاستلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل.
قال حسان: ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب١.
وعندما وجد يهود "بني قريظة" أن دسيستهم لم تعد إليهم ظنوا وجود حراس، ورجال مع النساء والأطفال فقبعوا في بيوتهم، وانصرفوا عن مهاجمة المدينة، ولم يخرجوا إلى قتال، واكتفوا بمد الأحزاب بالمؤن والطعام.
ولما علم المسلمون وهم عند الخندق، بمقتل هذا اليهود ملكهم الخوف على نسائهم وذراريهم، ووجدوا أنفسهم أمام عدو يواجهونه في الخندق، وآخر يأتيهم من خلف ظهورهم، فزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وتوقعوا هزيمة مفاجئة.
وهنا فكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، وأراد أن يضع له حلا فبعث إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف المري، وهما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة.
١ سيرة النبي ج٢ ص٢٢٧، ٢٢٨ وهذا حديث متصل صحيح ومع ذلك فإنه لا يدل على جبن حسان رضي الله عنه ويرجع سبب عدم خروجه لاعتلال صحته هذا اليوم وهو سبب بقائه خلف المجاهدين, ويرد البعض الحديث لعدم جبن حسان لأنه رضي الله عنه لو كان جبانًا لهجاه الشعراء بهذه الصفة, ولكن أحدًا لم يعارضه بهذه الصفة.