أبا بكر، وابن أم مكتوم، فلما انتهى صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة استلم الركن وكبر، فكبر الناس لتكبيره حتى ارتجت مكة كلها.
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناحية من المسجد والناس حوله، فأتى بدلو من زمزم فغسل وجهه، فما يقع منه قطرة إلا في يد إنسان، إن كانت قدر ما يحسوها حساها، وإلا تمسح بها، والمشركون ينظرون، فقالوا: ما رأينا ملكًا قط أعظم مما رأينا اليوم.
وجاءته قريش فأسلموا، وقالوا: يا رسول الله، اصنع بنا صنع أخ كريم.
فقال صلى الله عليه وسلم:"أنتم الطلقاء مثلي ومثلكم كما قال يوسف لإخوته: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} ١ ".
ثم اجتمع الناس لمبايعته صلى الله عليه وسلم، فجلس على الصفا، وجلس عمر بن الخطاب أسفل مجلسه وجلس ابن أم مكتوم بين يديه فبايعوه على السمع والطاعة لله ولرسوله فيما استطاعوا وسألوه عن الهجرة إلى المدينة المنورة.
فقال صلى الله عليه وسلم:"لا هجرة بعد الفتح".
وتجرد الرجال من الأزر، ثم أخذوا الدلاء فغسلوا ظهر الكعبة وبطنها حتى انبعج الوادي من الماء، وأزالوا ما كان فيها من عمل الجاهلية فلم يدعوا فيها صورة ولا أثرًا من آثار المشركين إلا محوه.
وجاء عثمان بن طلحة بالمفتاح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بلغ رأس الثنية، فبعث صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه من البطحاء، ومعه عثمان بن طلحة ليفتح البيت، وأمره أن لا يدع صورة إلا محاها، ولا تمثالا إلا هدمه، ففعل عمر ذلك وترك صورة إبراهيم عليه السلام حتى محاها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ودخل صلى الله عليه وسلم الكعبة، ومعه أسامة بن زيد، وبلال، وعثمان بن طلحة، فمكث فيها مدة وصلى ركعتين ثم خرج والمفتاح في يده، ووقف على الباب خالد بن الوليد يذب الناس عنه حتى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف على باب البيت وأخذ بعضادتيه، وأشرف على الناس وفي يده المفتاح، ثم جعله في كمه، وقال وقد جلس الناس: