للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمكة ثلاثًا، حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس، ثم هاجر ماشيًا على قدميه حتى لحقهما بقباء ونزل على كلثوم بن الهدم مع رسول الله أيضًا.

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء أربعة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس, وأسس مسجد قباء وصلى فيه، وكان موضع المسجد مربدًا لكلثوم بن الهدم، وقيل بل هو مكان كان يملكه بنو عمرو بن عوف وهو الأولى، وقد صلى الرسول صلى الله عليه وسلم الجمعة فيهم، وعلى كل فإن المكان اختيار الله تعالى١.

وهو أول مسجد أسس على التقوى بعد النبوة، فلما كان اليوم الخامس٢ -يوم الجمعة- ركب صلى الله عليه وسلم ناقته وأبو بكر ردفه، وأرسل إلى أخواله بني النجار فجاءوا متقلدين سيوفهم وسار معهم نحو المدينة فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فجمع بهم في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانوا مائة رجل.

وهذه أول جمعة يقيمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام بعد هجرته في ديار بني سالم بن عوف، وألقى فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الجمعة، وعرفهم بالله، وحثهم على التقوى، وذكرهم بنعيم الله في الآخرة.

يورد ابن كثير هذه الخطبة بنصها، وفيها يقول صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله أحمده, وأستعينه، وأستغفره, وأستهديه، وأومن به، ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدًا.

أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، ولا أفضل من ذلك نصيحة،


١ سبل الهدى والرشاد ج٣ ص٣٨١.
٢ اختلفت الروايات في المدة التي مكثها الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء والمكثرون يرونها أربعة وعشرين يومًا والمقلون يرونها أربعة أيام، وهو الأولى.

<<  <   >  >>