للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إثبات الطيرة التي نفاها، وإنما غايته أن الله سبحانه، قد يخلق منها أعياناً مشؤمة على من قاربها وسكنها وأعياناً مباركة لا يلحق من قاربها منها شؤم ولا شر، وهذا كما يعطي سبحانه الوالدين ولداً مباركاً، يريان الخير على وجهه، ويعطي غيرهما ولداً فكذلك الدار والمرأة والفرس. والله سبحانه خالق الخير والشر من قارنها، وحصول اليمن له والبركة، ويخلق بعض ذلك نحوساً يتنحس بها من قارنها، وكل ذلك بقضائه وقدره، كما خلق سائر الأسباب، وربطها بمسبباتها المتضادة والمختلفة، فكما خلق المسك (١) وغيره من حامل الأرواح الطيبة، ولذذ بها من قارنها من الناس، وخلق ضدها وجعلها سبباً لإيذاء من قارنها من الناس، والفرق بين هذين النوعين يدرك بالحس، فكذلك في الديار والنساء والخيل، فهذا لون والطيرة الشركية لون آخر (٢) .

ولهذا يشرع لمن استفاد زوجة أو أمة أو دابة، أن يسأل الله تعالى من خيرها، وخير ما جبلت عليه، ويستعيذ به من شرها وشر ما جبلت عليه، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (٣) ، وكذلك ينبغي لمن سكن داراً أن يفعل ذلك، وقد أمر صلى الله عليه وسلم قوماً سكنوا داراً فقلَّ عددهم، وقلَّ مالهم أن يتركوها ذميمة (٤) .

فترك ما لا يجد الإنسان فيه بركة، من دار أو زوجة أو دابة، منهي عنه، وكذلك من اتّجر في شيء فلم يربح فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان لأحدكم رزق في شيء فلا يدعه حتى يتغير له أو يتنكر له)) (٥) .


(١) - المسك: ضرب من الطيب مذكر. يُراجع: لسان العرب (١٠/٤٨٧) مادة (مسك) .
(٢) - يراجع: مفتاح دار السعادة (٢/٢٥٧) .
(٣) - رواه أبو داود في سننه (٢/٦١٦، ٦١٧) كتاب النكاح، حديث رقم (٢١٦٠) . ورواه ابن ماجه في سننه (١/٦١٧، ٦١٨) كتاب النكاح، حديث رقم (١٩١٨) . ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة ص (٢٢٤) حديث رقم (٦٠٥) . ورواه الحاكم في المستدرك (٢/١٨٥، ١٨٦) كتاب النكاح، وقال: حديث صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في تلخيصه.
(٤) - رواه مالك في الموطأ (٢/٩٧٢) كتاب الاستذان، حديث رقم (٢٣) . ورواه أبو داود في سننه (٤/٢٣٨، ٢٣٩) كتاب الطب، حديث رقم (٣٩٢٤) . ورواه البيهقي في سننه (٨/١٤٠) كتاب القسامة.
(٥) - رواه الإمام أحمد في مسنده (٦/٢٤٦) . ورواه ابن ماجه في سننه (٢/٧٢٧) كتاب التجارات، حديث رقم (٢١٤٨) . قلت: وهذا الحديث ضعيف؛ لأنُّ فيه الزبير بن عبيد وهو مجهول. يراجع: تقريب التهذيب (١/٢٥٨) .

<<  <   >  >>