أما إذا كان إنساناً معروفاً بالتأني، وخشية الله، والبعد عن أذية الخلق، والتزام النظام، ولكن هذا أمر حصل من فوات الحرص، فالعفو هنا أفضل؛ لأن الله قال (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) فلابد من مراعاة الإصلاح عند العفو.
(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) محبة الله ـ سبحانه وتعالى ـ للعبد هي غاية كل إنسان؛ فكل إنسان مؤمن غايته أن يحبه الله عز وجل، وهي المقصود لكل مؤمن؛ لقول الله تعالى:(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(آل عمران: ٣١) ، ولم يقل: اتبعوني تصدقوا فيما قلتم، بل عدل عن هذا إلى قوله (يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) لأن الشأن - كل الشأن ـ أن يحبك الله عز وجل، أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أحبابه.
وأما المحسنون في قوله:(وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) فالمراد بهم المحسنون في عبادة الله، والمحسنون إلى عباد الله.
والمحسنون في عبادة الله؛ بين النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ مرتبتهم في قوله حين سأله جبريل عن الإحسان فقال:(أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) يعني: أن تعبد الله ـ سبحانه وتعالى ـ بقلب حاضر؛ كأنك ترى ربك تريد الوصول إليه، فإن لم تفعل؛ فاعلم أن الله يراك، فاعبده خوفاً وخشية، وهذه المرتبة دون المرتبة الأولى.