يلحقه النسيان، وأنه ينسى كما ينسى غيره، وإذا كان صلى الله عليه وسلم ينسى ما كان معلوماً عنده من قبل، فإنه كذلك من باب أولى يجهل ما لم يكن معلوماً عنده من قبل، كما قال الله له (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ)(الأنعام: ٥٠) فأمره الله أن يعلن للملأ أنه ليس عنده خزائن الله؛ وأنه لا يعلم الغيب، وأنه ليس بملك صلوات الله وسلامه عليه.
وفي هذا قطع السبيل على من يلتجئون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مهماتهم وملماتهم، ويدعونه، فإن هؤلاء من أعدائه وليسوا من أوليائه؛ لأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لو كان حياً لاستتابهم، فإن تابوا وإلا قتلهم؛ لأنهم مشركون، فإن الإنسان لا يجوز أن يدعو غير الله عز وجل؛ لا ملكاً مقرباً، ولا نبياً مرسلاً، وهو ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما جاء لحماية التوحيد وتحقيق عبادة الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، وينسى ما كان قد علم من قبل، ويحتاج إلى الأكل والشرب واللباس والوقاية من الأعداء، وقد ظاهر ـ بين درعين في غزوة أحد ـ يعني لبس درعين ـ خوفاً من السلاح.
فهو كغيره من البشر، جميع الأحكام البشرية تلحقه عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا قال الله له:(قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)(الكهف: ١١٠) ، فتأمل وصفه بأنه بشر مثلكم، لو لم يقل (مِثْلُكُمْ) لكفى، يعني إذا قال: إنما أنا بشر علمنا بطريق القياس أنه بشر كالبشر لكن قال (مِثْلُكُمْ) لا أتميز عليكم بشيءٍ إلا بالوحي، (يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ) الآية.