زال الجوع وامتلأت المعدة، كره عين ما اشتهاه، كمن يشتهي القعود في الشمس ليناله الحر، حتى يتلذذ بالرجوع إلى الظل، وكن يشتهي الحبس في حمام حار، ليدرك لذة ماء الثلج، إذا شربه، وهو عين الرقاعة والخرق. وإن كان ذلك على ما يخالفه من ماله، فهو بجهله بخساسة الدنيا وحقارتها، بالإضافة إلى الملك الكبير والنعيم المقيم الموعود للمتقين. وإن كان ذلك لجهله بعاقبة أمره بعد الموت، فعليه أن يطلب العلم الحقيقي، الذي يكشف له حال الإنسان بعد موته، كما قال حارثة للنبي صلى الله عليه وسلم:" كأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتلا عنون فيها "، وهذا العلم إنما يحصل بالبحث عن حقيقة النفس وماهيتها، ووجه علاقتها بالبدن، ووجه خاصيتها التي خلقت لها، ووجه التذاذه بخاصيته وكماله، مع معرفة الرذائل المانعة له من كماله، وقد نبه الشرع عليه في مواضع كثيرة، وأمر بالتفكر في النفس، كما أمر بالتفكر في ملكوت السموات والأرض. وإن كان ذلك لما سبق من عصيانه، فلا ينفع الغم فيه، بل المداواة، وهو المبادرة إلى التوبة وإصلاح ما فرط من أمره، بل مثاله في الاغتمام وترك التدارك مثل من فتح عرق من عروقه، وقد خرج بعض دمه، وهو قادر على تعصيبه وحفظ حشاشه،