ومن كره لقاء الله فقد كره الله لقاءه ". والثاني رجل رديء البصيرة متلطخ السريرة منهمك في الدنيا منغمس في علائقها، رضي بالحياة الدنيا وطمئن بها ويئس من الدار الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور. فإذا خرج إلى دار الخلود أضر به كما تضر رياح الورد بالجعل. وإذا خرج من قاذورات الدنيا لم يوافقه عالم العلاء ومصباح الملأ الأعلى فكان كما قال الله تعالى:(وَمَنْ كَانَ فِي هَذه أَعْمَى فَهُوَ في الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلّ سَبِيلاً) ، فإن الدنيا سجن الأول وجنة الثاني. والأول كعبد دعاه مولاه فأجابه طوعاً فقدم عليه مسروراً يتوفره على الخدمة، والثاني كعبد آبق رد إلى مولاه مأسوراً وقيد إلى حضرته مقهوراً، فيبقى ناكس الرأس بين يدي مولاه مختزياً من جنايته، وشتان ما بين الحالين. والقسم الثالث رتبة بين الرتبتين: رجل عرف غوائل هذا العالم وكره صحبته ولكن أنس به وألفه، فسبيله سبيل من ألف بيتاً مظلماً قذراً ولم ير غيره. فهو يكره الخروج منه وإن كان قد كره دخوله. فإذا خرج رأى ما أعد الله للصالحين لم يتأسف على