للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَدَ جَوَّزَ مُنْكَرًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ; فَإِنَّ قَوْلَهُ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الْقَلَمِ: ٣٥] اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ، فَعُلِمَ أَنَّ جَعْلَ هَؤُلَاءِ مِثْلَ هَؤُلَاءِ مُنْكَرٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِاللَّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ. فَلَوْ كَانَ هَذَا وَضِدُّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاءً جَازَ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا وَهَذَا.

وَقَوْلُهُ: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ١٣٦] دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمٌ سَيِّئٌ، وَالْحُكْمُ السَّيِّئُ هُوَ الظُّلْمُ الَّذِي لَا يَجُوزُ، فَعُلِمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ هَذَا. وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ، فَقَدْ نَسَبَ إِلَيْهِ الْحُكْمَ السَّيِّئَ، وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ أَحَدِ الْمُتَمَاثِلَيْنِ، بَلِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالتَّفْضِيلُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ هُوَ مِنَ الْعَدْلِ وَالْحُكْمِ الْحَسَنِ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ ; فَإِذَا جَعَلَ النُّورَ كَالظُّلْمَةِ، [وَالْمُحْسِنَ كَالْمُسِيءِ] (١) ، وَالْمُسْلِمَ كَالْمُجْرِمِ كَانَ هَذَا ظُلْمًا وَحُكْمًا سَيِّئًا يُقَدَّسُ وَيُنَزَّهُ عَنْهُ (٢) سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: ٥٠] . وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَوْ حَكَمَ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيَّةِ لَكَانَ حَسَنًا، وَلَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حُكْمٌ حَسَنٌ وَحُكْمٌ غَيْرُ حَسَنٍ؛ بَلِ الْجَمِيعُ سَوَاءٌ. فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ هَذَا: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا؟ فَدَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ حَسَنٌ لَا أَحْسَنَ مِنْهُ؟ وَالْحُكْمُ الَّذِي يُخَالِفُهُ


(١) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
(٢) ن، م: سَيِّئًا تَنَزَّهَ عَنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>