للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَيِّئٌ لَيْسَ بِحَسَنٍ. وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ صِفَةٌ لِحُكْمِهِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْحُسْنُ إِلَّا مَا تَعَلَّقَ بِهِ (١) الْأَمْرُ، أَوْ مَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ؛ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ، وَلَمْ يُقَسَّمَ الْحُكْمُ إِلَى حَسَنٍ وَأَحْسَنَ ; لِأَنَّ عِنْدَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ الرَّبُّ بِكُلِّ مَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حَسَنٌ، فَلَيْسَ عِنْدَهُمْ حُكْمٌ يُنَزَّهُ الرَّبُّ عَنْهُ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: ١٢٤] (٢) ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يُنَاسِبُ الرِّسَالَةَ، وَلَوْ كَانَ النَّاسُ مُسْتَوِينَ، وَالتَّخْصِيصُ بِلَا سَبَبٍ، لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْعِلْمِ مَعْلُومٌ يَخْتَصُّ بِهِ مَحَلُّ الرِّسَالَةِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ - كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ - أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [سُورَةُ الْقَمَرِ: ٤١ - ٤٣] ، وَقَالَ: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [سُورَةُ الدُّخَانِ: ٣٧] . فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانُوا كُفَّارًا وَقَدْ عَذَّبْنَاهُمْ، فَالْكُفَّارُ الَّذِينَ كَذَّبُوا مُحَمَّدًا لَيْسُوا خَيْرًا مِنْ أُولَئِكَ، بَلْ هُمْ مِثْلُهُمْ (٣) اسْتَحَقُّوا مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا اسْتَحَقَّهُ أُولَئِكَ، وَلَوْ كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ لَمْ يَسْتَحِقُّوا ذَلِكَ. فَعُلِمَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَيُفَضِّلُ صَاحِبَ الْخَيْرِ فَلَا يُسَوِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ هُوَ دُونَهُ.


(١) و: إِلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ.
(٢) ن، م، و: رِسَالَاتِهِ.
(٣) و: بَلْ هُمْ مِنْهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>