للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَشْرَكْهُمَا فِي ذَلِكَ. وَإِذَا قِيلَ: هَذَا قَدْ عُلِمَ بِخَبَرِهِ. قِيلَ: هُوَ لَمْ يُخْبِرْ قَبْلُ بِهَذَا، بَلْ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ حُكْمُهُ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ سِوَاهُ، كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَيْضًا فَالنُّصُوصُ قَدْ أَخْبَرَتْ بِالْمِيزَانِ بِالْقِسْطِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا؛ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ إِذَا زِيدَ فِي السَّيِّئَاتِ أَوْ نَقَصَ مِنَ الْحَسَنَاتِ كَانَ ظُلْمًا يُنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهُ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَزِنُ الْأَعْمَالَ بِالْقِسْطِ الَّذِي هُوَ الْعَدْلُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ خِلَافَ ذَلِكَ لَيْسَ قِسْطًا، بَلْ ظُلْمٌ (١) تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَا (٢) عَدْلٌ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى الْمُوَازَنَةِ ; فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ التَّعْذِيبُ وَالتَّنْعِيمُ بِلَا قَانُونٍ عَدْلِيٍّ، بَلْ بِمَحْضِ الْمَشِيئَةِ، لَمْ يُحْتَجْ إِلَى الْمُوَازَنَةِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: ١٠٨] قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: قَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّهُ يُعَذِّبُ مَنْ عَذَّبَهُ لِاسْتِحْقَاقِهِ. وَقَالَ آخَرُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُهُمْ بِلَا جُرْمٍ، فَسَمَّى هَذَا ظُلْمًا.

وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ: ٤٢] وَقَوْلِهِ: {لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ ٢٣٣] ، وَقَوْلِهِ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}


(١) بَلْ ظُلْمٌ: كَذَا فِي (ب) فَقَطْ، وَفِي سَائِرِ النُّسَخِ: بَلْ ظُلْمًا.
(٢) ح: هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>