للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَعَلَّمُوا الدِّينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ، وَتَعْلِيمُ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ وَمُقَامُهُ فِيهِمْ أَكْثَرُ مِنْ عَلِيٍّ، وَلِهَذَا رَوَى أَهْلُ الْيَمَنِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَكْثَرَ مِمَّا رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ إِنَّمَا تَفَقَّهُوا عَلَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ كَانَ شُرَيْحٌ فِيهَا قَاضِيًا، وَهُوَ وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ تَفَقَّهَا عَلَى غَيْرِهِ، فَانْتَشَرَ عِلْمُ الْإِسْلَامِ فِي الْمَدَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلِيٌّ الْكُوفَةَ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ (١) : " وَاحْتَجَّ مَنِ احْتَجَّ مِنَ الرَّافِضَةِ بِأَنَّ عَلِيًّا كَانَ أَكْثَرَهُمْ عِلْمًا " قَالَ: " وَهَذَا كَذِبٌ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عِلْمُ الصَّحَابِيِّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ رِوَايَتِهِ وَفَتَاوِيهِ، وَالثَّانِي: كَثْرَةُ اسْتِعْمَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ، فَمِنَ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ، وَهَذَا أَكْبَرُ شَهَادَةٍ عَلَى الْعِلْمِ وَسَعَتِهِ، فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَلَّى أَبَا بَكْرٍ الصَّلَاةَ بِحَضْرَتِهِ طُولَ عِلَّتِهِ، وَجَمِيعُ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ حُضُورٌ كَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ (٢) ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيٍّ، وَغَيْرِهِمْ (٣) ، وَهَذَا بِخِلَافِ اسْتِخْلَافِهِ عَلِيًّا إِذَا غَزَا ; لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى النِّسَاءِ (٤) وَذَوِي الْأَعْذَارِ فَقَطْ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالصَّلَاةِ وَشَرَائِعِهَا، وَأَعْلَمَ الْمَذْكُورِينَ بِهَا، وَهِيَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ (٥) ، وَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَوَجَبَ ضَرُورَةُ


(١) فِي كِتَابِهِ " الْفِصَلِ " ٤/٢١٢ ٢١٤ مَعَ اخْتِلَافَاتٍ سَنَذْكُرُ أَهَمَّهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
(٢) الْفِصَلِ: كَعَلِيٍّ وَعُمَرَ. .
(٣) الْفِصَلِ: وَغَيْرِهِمْ فَآثَرَهُ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ
(٤) الْفِصَلِ: لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فِي الْغَزْوَةِ لَمْ يُسْتَخْلَفْ إِلَّا عَلَى النِّسَاءِ
(٥) الْفِصَلِ: الدِّينِ

<<  <  ج: ص:  >  >>