وَالْجِهَادُ بِالْمَالِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: ٤١] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [سُورَةُ التَّوْبَةِ: ٢٠] الْآيَةَ، وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [سُورَةُ الْأَنْفَالِ: ٧٢] (١) .
وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يُقَاتِلُونَ دُونَ أَمْوَالِهِمْ ; فَإِنَّ الْمُجَاهِدَ بِالْمَالِ قَدْ أَخْرَجَ مَالَهُ حَقِيقَةً لِلَّهِ، وَالْمُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ لِلَّهِ يَرْجُو النَّجَاةَ، لَا يُوَافِقُ أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي الْجِهَادِ ; وَلِهَذَا أَكْثَرُ الْقَادِرِينَ عَلَى الْقِتَالِ يَهُونُ عَلَى أَحَدِهِمْ أَنْ يُقَاتِلَ، وَلَا يَهُونُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ مَالِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ جِهَادُهُ بِالْمَالِ أَعْظَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ جِهَادُهُ بِالنَّفْسِ أَعْظَمَ.
وَأَيْضًا فَعُثْمَانُ لَهُ مِنَ الْجِهَادِ بِنَفْسِهِ بِالتَّدْبِيرِ فِي الْفُتُوحِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَلَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَلَهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَى مَكَّةَ يَوْمَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِعَلِيٍّ، وَإِنَّمَا بَايَعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ، وَبَايَعَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَنْ عُثْمَانَ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْفَضْلِ ; حَيْثُ بَايَعَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(١) ن، م، س: وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصْرًا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا. وَهُوَ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتُّهُ مِنْ (ب) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute