قَالَ (فَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ فَالْعِمَارَةُ عَلَى مَنْ لَهُ سُكْنَى) لِأَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ فَقِيرًا آجَرَهَا الْحَاكِمُ وَعَمَّرَهَا بِأُجْرَتِهَا، وَإِذَا عَمَّرَهَا رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْوَاقِفِ وَحَقِّ صَاحِبِ السُّكْنَى، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعَمِّرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَى الْعِمَارَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافِ مَالِهِ فَأَشْبَهَ امْتِنَاعَ صَاحِبِ الْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ فَلَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ رِضًا مِنْهُ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ، وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ.
بِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْبَعْضِ: أَيْ لَا تُصْرَفُ غَلَّةُ الْوَقْفِ إلَى زِيَادَةِ عِمَارَةٍ لَمْ تَكُنْ فِي ابْتِدَاءِ الْوَقْفِ بَلْ تُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ. وَعِنْدَ آخَرِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبِنَاءُ الثَّانِي مِثْلَ الْأَوَّلِ لَا زَائِدًا عَلَيْهِ أَصَحُّ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى سُكْنَى وَلَدِهِ) ظَاهِرٌ. وَقَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ أَوْلَى) يُرِيدُ بِهِ إجَارَةَ الْحَاكِمِ وَعِمَارَتَهَا بِأُجْرَتِهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَنْ لَهُ السُّكْنَى. وَالثَّانِي هُوَ تَرْكُ الْعِمَارَةِ. وَاسْتُفِيدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْمُرْهَا تَفُوتُ السُّكْنَى أَصْلًا. وَقَوْلُهُ (فِي حَيِّزِ التَّرَدُّدِ) بَيَانُهُ أَنَّ الِامْتِنَاعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نُقْصَانُ مَالِهِ فِي الْحَالِ وَلِرَجَائِهِ إصْلَاحَ الْقَاضِي وَعِمَارَتَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ مَنْ لَهُ السُّكْنَى) إضَافَةُ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِعِوَضٍ وَلَا تَمْلِيكَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ، وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى لَيْسَ بِمَالِكٍ. وَنُوقِضَ بِالْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ الدَّارَ وَلَيْسَ بِمَالِكِهَا. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا أُقِيمَتْ الْعَيْنُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْدُومَةِ، وَمَنْ لَهُ السُّكْنَى أُبِيحَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ وَلِهَذَا لَمْ تَقُمْ الْعَيْنُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute