للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبَرَاءَاتِ. وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَكَانَ إسْقَاطًا مَحْضًا كَالطَّلَاقِ، وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ.

قَالَ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ كَالْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ) مَعْنَاهُ بِنَفْسِ الْحَدِّ لَا بِنَفْسِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ إيجَابُهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعُقُوبَةَ لَا تَجْرِي فِيهَا النِّيَابَةُ.

الْمُجْمَلَ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ إبْهَامٌ فَالْخَطْبُ إذًا يَهُونُ هَوْنًا.

قَالَ (وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ إلَخْ) تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالشَّرْطِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ الْكَفَالَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِسْقَاطٍ مَحْضٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّمْلِيكِ كَمَا فِي سَائِرِ الْبَرَاءَاتِ، وَالتَّعْلِيقُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْإِسْقَاطِ الْمَحْضِ. وَرُدَّ بِمَا لَوْ كَفَلَ بِالْمَالِ وَبِالنَّفْسِ وَقَالَ إنْ وَافَيْتُك بِهِ غَدًا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَوَافَاهُ مِنْ الْغَدِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمَالِ فَقَدْ جُوِّزَ تَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ بِمُوَافَاةِ الْمَكْفُولِ بِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْإِيضَاحِ. وَيُرْوَى أَنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا إسْقَاطٌ مَحْضٌ كَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ عَلَى الْكَفِيلِ الْمُطَالَبَةَ دُونَ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلِهَذَا لَا يَرْتَدُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْكَفِيلِ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ إبْرَاءِ الْأَصِيلِ وَالْإِسْقَاطُ الْمَحْضُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ. وَقِيلَ فِي وَجْهِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ إنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الشَّرْطُ شَرْطًا مَحْضًا لَا مَنْفَعَةَ لِلطَّالِبِ فِيهِ أَصْلًا كَقَوْلِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٌ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ، كَمَا لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْكَفَالَةِ بِشَرْطٍ لَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لِلطَّالِبِ وَلَهُ تَعَامُلٌ فَتَعْلِيقُ الْبَرَاءَةِ بِهِ صَحِيحٌ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ الْإِيضَاحِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَهُ فِيهِ نَفْعٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إبْرَاءِ بَعْضٍ وَاسْتِيفَاءِ بَعْضٍ وَمِثْلُهُ مُتَعَامَلٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إذَا قَالَ عَجِّلْ خَمْسَمِائَةٍ عَلَى أَنِّي أَبْرَأْتُك مِنْ الْبَاقِي كَانَ صَحِيحًا، وَإِنْ عَلَّقَ الْبَرَاءَةَ عَلَى الْبَعْضِ بِتَعْجِيلِ الْبَعْضِ فَرِوَايَةُ عَدَمِ الْجَوَازِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ شَرْطًا مَحْضًا غَيْرَ مُتَعَامَلٍ وَرِوَايَةُ الْجَوَازِ عَلَى مَا يُقَابِلُهُ.

قَالَ (وَكُلُّ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْكَفِيلِ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ إلَخْ) ذَكَرَ ضَابِطًا لِمَا لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ إمْكَانَ الضَّرْبِ أَوْ حَزِّ الرَّقَبَةِ لَيْسَ بِمُنْتَفٍ لَا مَحَالَةَ لَكِنَّهُ لَا يَصِحُّ شَرْعًا، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِعَدَمِ الْإِمْكَانِ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الصِّحَّةِ، فَإِذَا كَفَلَ رَجُلٌ عَنْ آخَرَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ لَمْ تَصِحَّ كَفَالَتُهُ حَيْثُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَعْتَمِدُ الْإِيجَابَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ. إذْ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ، إمَّا أَنْ يَكُونَ أَصَالَةً وَالْفَرْضُ خِلَافُهُ، أَوْ نِيَابَةً وَهِيَ لَا تَجْرِي فِي الْعُقُوبَاتِ. قَالُوا:؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الزَّجْرُ وَهُوَ بِالْإِقَامَةِ عَلَى النَّائِبِ لَا يَحْصُلُ وَفِيهِ تَشْكِيكٌ، وَهُوَ أَنَّ الزَّجْرَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْجَانِي بِأَنْ لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِ مَا فَعَلَ أَوْ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>