للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ)، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي، وَمَنْ قَالَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ.

الْآخَرُ عَنْ ذَلِكَ فَضَمِنَ إنْسَانٌ لِيَقُومَ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ إذَا اقْتَسَمَا ثُمَّ مَنَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ قَسْمَ صَاحِبِهِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ عَلَى هَذَا قَسَمَهُ بِالضَّمِيرِ لَا بِالتَّاءِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْقِسْمَةَ بِالتَّاءِ تَجِيءُ بِمَعْنَى الْقَسْمِ بِلَا تَاءٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ النَّوَائِبُ بِعَيْنِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ تَفْسِيرَ النَّوَائِبِ بِحَقٍّ وَبِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَذِكْرُهُ بِالْوَاوِ لِلْبَيَانِ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ لِلتَّفْسِيرِ أَوْ حِصَّتُهُ مِنْهَا: أَيْ مِنْ النَّوَائِبِ: يَعْنِي إذَا قَسَمَ الْإِمَامُ مَا يَنُوبُ الْعَامَّةَ نَحْوُ مُؤْنَةِ كَرْيِ النَّهْرِ الْمُشْتَرَكِ فَأَصَابَ وَاحِدًا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيَحَبُّ أَدَاؤُهُ فَكَفَلَ بِهِ رَجُلٌ صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِالْإِجْمَاعِ. قِيلَ: وَلَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ الرِّوَايَةَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ وَقِسْمَتُهُ بِالْوَاوِ لِيَكُونَ عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ بِأَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ حِصَّةً مِنْ النَّوَائِبِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إذَا كَانَتْ حِصَّةً مِنْهَا فَهُوَ مَحَلُّ أَوْ، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هِيَ النَّوَائِبَ بِعَيْنِهَا فَهُوَ مَحَلُّ الْوَاوِ لِمَا مَرَّ. وَقِيلَ هِيَ النَّائِبَةُ الْمُوَظَّفَةُ الرَّاتِبَةُ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّوَائِبِ مَا يَنُوبُهُ غَيْرُ رَاتِبٍ. قِيلَ: وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، وَالْحُكْمُ مَا بَيَّنَّاهُ: يَعْنِي جَوَازَ الْكَفَالَةِ فِيمَا كَانَ بِحَقٍّ بِالِاتِّفَاقِ، وَاخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فِيمَا كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ.

قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ إلَخْ) وَمَنْ قَالَ لِآخَرَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ إلَى شَهْرٍ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعِي لِكَوْنِهَا حَالَّةً؛ وَإِنْ قَالَ ضَمِنْت لَك عَنْ فُلَانٍ مِائَةً إلَى شَهْرٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ حَالَّةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الضَّامِنِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ أَنَّ الْقَوْلَ فِيهِمَا لِلْمُقَرِّ لَهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْقَوْلُ فِيهِمَا لِلْمُقِرِّ. لَهُ أَنَّ الدَّيْنَ نَوْعَانِ: حَالٌّ وَمُؤَجَّلٌ فَإِذَا أَقَرَّ بِالْمُؤَجَّلِ فَقَدْ أَقَرَّ بِأَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: اعْتِبَارًا بِالْكَفَالَةِ. وَأُجِيبَ بِفَسَادِ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الدَّيْنِ عَارِضٌ كَمَا سَيَأْتِي. وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى وُجُوبِ الْمَالِ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الْأَجَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهِ إلَّا بِحُجَّةٍ اعْتِبَارًا بِالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ. وَأُجِيبَ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ.

وَوَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ مُدَّعِيًا حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ إلَى أَجَلٍ فَكَانَ ثَمَّةَ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَدَعْوَى عَلَى غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَقْبُولٌ وَالثَّانِي يَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ. وَفِي الْكَفَالَةِ مَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فِي الصَّحِيحِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ بِمُجَرَّدِ الْمُطَالَبَةِ بَعْدَ الشَّهْرِ فَوَضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَبْ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَيُقِرُّ بِهِ أَلَيْسَ أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ بِالْمُطَالَبَةِ فَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: أَقَرَّ بِالْمُطَالَبَةِ مُدَّعِيًا حَقًّا لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَأْخِيرُهَا إلَى أَجَلٍ فَكَانَ ثَمَّةَ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرْتُمْ فَلَا يَتِمُّ الْفَرْقُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ تَمَامِهِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِأَنْ يُقَالَ: الْكَفَالَةُ لَمَّا كَانَتْ الْتِزَامَ الْمُطَالَبَةِ فِي الْحَالِ وَجَبَ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْأَجَلُ عِنْدَ دَعْوَاهُ الْكَفِيلَ،؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ، وَفِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ مَا لَا يَخْفَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>