وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي) عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ قِبَلِ الْوَارِثِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ السَّبَبَ صَدَرَ مِنْ الْمُوصِي، وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ فَصَارَ كَالْمُرْتَهَنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّاهِنِ.
وَقَوْلُهُ (وَكُلُّ مَا جَازَ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ يَتَمَلَّكُهُ الْمُجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي) ذَكَرَهُ تَعْرِيفًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْقُدُورِيِّ. وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ ﵀ أَنَّ بِنَفْسِ الْمَوْتِ صَارَ قَدْرُ الثُّلُثَيْنِ مِنْ الْمَالِ مَمْلُوكًا لِلْوَارِثِ،؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ بِغَيْرِ قَبُولِهِ وَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ، فَإِجَازَتُهُ تَكُونُ إخْرَاجًا عَنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَذَلِكَ هِبَةٌ لَا تَتِمُّ إلَّا بِالْقَبْضِ. وَلَنَا أَنَّ الْمُوصِيَ صَدَرَ مِنْهُ السَّبَبُ، وَكُلُّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ السَّبَبُ يَثْبُتُ مِنْهُ الْمِلْكُ، وَكُلُّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فَالْمُوصَى لَهُ يَتَمَلَّكُ مِنْ الْمُوصِي.
وَقَوْلُهُ (وَالْإِجَازَةُ رَفْعُ الْمَانِعِ) جَوَابٌ عَنْ جَعْلِ الْإِجَازَةِ إخْرَاجًا عَنْ الْمِلْكِ: يَعْنِي أَنَّ الْإِجَازَةَ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا هُوَ رَفْعٌ لِلْمَانِعِ. وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الْقَبْضُ) رَدٌّ لِكَوْنِهَا هِبَةً فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: لَوْ كَانَ هِبَةً لَكَانَ الْقَبْضُ شَرْطًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَصَارَ مَا نَحْنُ فِيهِ كَالْمُرْتَهِنِ إذَا أَجَازَ بَيْعَ الرَّهْنِ فِي كَوْنِ السَّبَبِ صَدَرَ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي يَثْبُتُ مِنْ قِبَلِهِ، فَإِجَازَةُ الْمُرْتَهِنِ رَفْعُ الْمَانِعِ. وَعُورِضَ بِأَنَّ الْوَارِثَ إنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ كَانَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مَالِكًا فَيَكُونُ التَّمْلِيكُ مِنْ جِهَتِهِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْوَارِثَ كَانَ لَهُ حَقٌّ أَسْقَطَهُ بِالْإِجَازَةِ، وَإِسْقَاطُ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ مُعْتَبَرٌ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا كَالْعِتْقِ، وَالْفَائِدَةُ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا أَجَازَ فِي مُشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ صَحِيحَةٌ، وَتَصِيرُ مِلْكًا لِلْمُوصَى لَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَيُجْبَرُ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ بَعْدَهَا عِنْدَنَا، وَلَوْ كَانَ التَّمْلِيكُ مِنْ جِهَةِ الْوَارِثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute