للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويستهزئون به اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ

«١» فأكبرت ذلك رجالات من قريش فحنت قسيّها وفوّقت سهامها وانتثلوه غرضا «٢» ، فما فلّوا له صفاه «٣» ، ولا قصفوا له قناة، ومرّ على سيسائه «٤» حتّى إذا ضرب الدّين بجرانه «٥» ، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجا، ومن كل فرقة أرسالا وأشتاتا، اختار الله لنبيّه ما عنده؛ فلما قبض الله نبيّه صلّى الله عليه وآله وسلّم ضرب الشّيطان رواقه، ومدّ طنبه، ونصب حبائله، وأجلب بخيله ورجله، واضطرب حبل الإسلام، ومرج عهده وماج أهله، وبغي الغوائل، وظنّت رجال أن قد أكثبت أطماعهم نهزها «٦» ولات حين الذين يرجون، وأنّى والصدّيق بين أظهرهم.

فقام حاسرا مشمّرا، فجمع حاشيتيه ورفع قطريه، فردّ رسن الإسلام على غربه، ولمّ شعثه بطبّه، وانتاش الدين فنعشه، فلما أراح الحقّ على أهله، وقرّر الرؤوس على كواهلها، وحقن الدماء في أهبها، أتته منيته، فسدّ ثلمته بنظيره في الرحمة، وشقيقه في السّيرة والمعدلة. ذاك ابن الخطاب لله درّ أمّ حملت به ودرّت عليه! لقد أوجدت به، ففنّخ الكفرة ودبّخها «٧» ، وشرّد الشّرك شذر مذر، وبعج الأرض وبخعها فقاءت أكلها، ولفظت خبأها «٨» ، ترأمه ويصدف عنها، وتصدّى له ويأباها. ثم وزّع فيها فيأها وودّعها كما صحبها.

<<  <  ج: ص:  >  >>