[وهذه] نسخة كتاب، كتب به إلى الأبواب السلطانية عند فتح «١»(آياس) قاعدة بلاد الأرمن وانتزاعها من أيديهم، وهي «٢» :
يقبّل الأرض وينهي أن ليلة الانتظار أطلعت صباحها، ومواعيد الآمال بعثت على يد الإقبال نجاحها، والعساكر المنصورة جرّدت رابع ربيع الأوّل بمدينة آياس صفاحها، وأوردت إلى الصّدور رماحها، فلم يكن إلّا كلمح البصر، ولسان صدق القتال قائل بأنّ الجيش النّاصريّ قد انتصر، وانقضى ذلك النّهار، بإيقاد نار حرب الحصار، على أبراج وأسوار، أديرت على المينا كما أدير المعصم على السّوار، فما أشرق صباح الصّفاح ولاح، إلّا والأعلام النّاصريّة على قلّة «٣» القلعة مائسة الأعطاف من الارتياح، معلنة ألسنتها بحيّ على الفلاح وحيّ على النّجاح، وعزّ الإسلام يقابل ذلّ الكفر، بهذا النّصر وهذا الافتتاح، وجمع الأرمن الملا تفرّق ما بين قتل وأسر وانتزاح، ولعبت أيدي النّيران في القلعة وجوانبها، وتفرّقت من الأسوار أعضاء مناكبها، ونطق بالأقدار لسان النّار: هذي منازل أهل النّار في النّار.
ثم انتقلت المحاصرة إلى قلعة البحر، وضمّ الأرمن الملا إليها سيف القدرة والقهر، وهذه القلعة عروس بكر في سماء العزّ شاهقة، لم يسبق لأحد من الملوك الأوائل إلى خطبتها سابقة، قد شمخت بأنفها، ونأت بعطفها، وتاهت على وامقها، وغضّت عين رامقها، فهي في عقاب لوح الجوّ كالطائر، وسوّرها البحر والحجر فلا يكاد يصل إلى وكرها النّاظر، وقد أوثقت بحلقات الحديد،